
لا يملكُ كلُّ مَن يتدبَّرُ القرآنَ العظيم غيرَ أن يُقِرَّ بأنَّ هذا القرآنَ لم يدَّخر وسعاً في التعريفِ برسالتِه الإلهية طوالَ مدةِ تنزُّلِه الشريف والبالغة 23 عاماً. فالقرآنُ العظيم قد حرصَ الحرصَ كلَّه على ذكرِ هذه الرسالةِ الإلهية، وعلى التذكيرِ بها، في كلِّ سورةٍ من سُوَرِهِ الشريفة. وهذا التشديدُ من لدن القرآنِ العظيم على ماهيةِ رسالتِه الإلهيةِ برهانٌ لا يرقى إليه أيُّ شك على أنَّ اللهَ تعالى هو مَن صاغَ مفرداتِ هذه الرسالة. ولذلك شدّدَ القرآنُ العظيم على أنَّه كتابٌ لا يمكنُ أن يكونَ من عندِ غيرِ اللهِ تعالى، وذلك بقولِه: (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا) (82 النساء).
فرسالةُ القرآنِ العظيم مبثوثةٌ في عمومِ أرجائِه الجليلة فلا تكادُ تخلو منها صفحةٌ من صفحاتِه. والقرآنُ العظيم ظَلَّ طيلةَ سنواتِ تنزُّلِهِ محافظاً على ماهيةِ رسالتِه فلم يتغيَّر منها شيءٌ بتغيُّرِ الأحوالِ والأزمان! فرسالةُ القرآن العظيم متعاليةٌ على الزمانِ تعاليها على المكان وبما يجعلُ لها “تسلُّطاً” على الوقائعِ والأحداث فلا يعودُ بعدها بمقدور هذه الوقائعِ والأحداث أن تطالَ من مفرداتِ هذه الرسالة وبما يجعلها تحيدُ عن ثوابتِها التي تنزَّلت من لدن حكيمٍ عليمٍ خبير.
ونحن إن تدبَّرنا القرآنَ العظيم فلن يكونَ بالعسيرِ علينا أن نتبيَّنَ أن رسالتَه بالإمكانِ إيجازُها في بضع كلماتٍ تدورُ كلُّها جميعاً في فلَكِ الإعلامِ والإخبارِ بأنَّ هذه الحياةَ الدنيا هي ليست كلَّ ما هنالك، وأنَّ هنالكَ داراً آخرةً هي المآل، وأنَّ الإنسانَ لَيُخطِئُ إن هو ظنَّ وتوهَّم أن الموتَ هو النهاية، وأنًّ هنالك بعثاً ونشوراً وقيامةً وحساباً، وأنَّها إما جنةٌ أبداً أو نارٌ أبداً.
ولقد فصَّلَت رسالةُ القرآنِ العظيم ما يقتضيه الأمرُ من الإنسانِ حتى لا ينتهي به الأمرُ مُخلَّداً في النار، وحتى تكونَ الجنةُ هي مثواه. فالعباداتُ، إذ هي أعمالٌ صالحة، لم يشرعها اللهُ تعالى إلا لتُعينَ العابدَ على ألا تجنحَ به نفسُه فتنأى به بعيداً عن جادةِ الصواب وطريقِ الهدى.
إنَّ رسالةَ القرآنِ العظيم لا تقبلُ أن يُحذَفَ منها، أو أن يُضافَ إليها، شيءٌ على الإطلاق! وكلُّ مَن يريدُ أن يُقدِّمَ لنا تصوراً لـ “رسالةِ القرآنِ العظيم” يُغايرُ ما تشتملُ عليه من ثوابتَ إلهيةٍ إنما يُريدُنا أن نسيرَ وراءَه لينتهيَ بنا الأمرُ بعدها إلى أن نخسرَ دنيانا ونخسرَ أخرانا وهذا هو الخسرانُ المبين!