
يُريدُنا المنبهرون بالعقل، المأخوذون بخبالاتِه وخيالاتِه، أن نُحكِّمَه في دينِ اللهِ تعالى فنحتكمَ بالتالي إلى ما يقولُ به في هذا الذي جاءنا به قرآنُ اللهِ العظيم من “أنباء الغيب” (ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ) (من 44 آل عمران).
ونحن إن فعلنا ذلك، فسوف ينتهي بنا الأمرُ لا محالة إلى الخروج على دينِ اللهِ تعالى خروجاً يُوجِبُه ما تقضي به أحكامُ العقلِ وقواعدُه من ألا وجودَ هنالك إلا لما تشهدُ له وقائعُ الأمور، ومن ذلك ما يقتضيهِ العقلُ منا من نبذٍ مطلق لكلِّ ما وردَ في القرآنِ العظيم مما يتناقضُ ويتعارضُ مع قوانينِ هذا الوجود التي قُدِّرَ للعقلِ أن يضعَ يدَه عليها!
ولنأخذ في هذا المنشور ما جاءنا به القرآنُ العظيم من أنباءِ أولئك الذين عصوا اللهَ تعالى فكان حقاً عليه أن يُنزِلَ بساحتِهم عذابَه الذي جعلهم عبرةً لمن خلفهم: (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ. فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِين) (65 – 66 البقرة)، (قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ) (من 60 المائدة)، (فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ) (166 الأعراف).
يتبيَّنُ لنا، وبتدبُّرِ ما تقدَّم، أنَّ العقلَ لا يملكُ ما يُؤهِّلُه لأن يقولَ في دينِ اللهِ تعالى ما يشاء، وذلك وفقاً لما يقضي به بُنيانُه المنطقي الذي شيَّدت أركانَه أحداثُ وظواهرُ هذا الواقع الذي لا يمكنُ بِحال أن يكونَ كلَّ ما في الوجود! فهذا الوجودُ فيه من الوقائعِ والأحداثِ والظواهرِ ما إن تأتى للعقلِ أن يُحيطَ بها، أو حتى ببعضٍ منها، عادَ عليه ذلك بما سيجعلُ منه أكثرَ تواضعاً وقدرةً بالتالي على ألا يقولَ فيما قد غُيِّبَ عنه غيرَ الحق! وهذا، وللأسفِ الشديد، هو ليس حالَ عقلِ الإنسانِ كما نعرفه!