
خُلِقَ الإنسانُ على غيرِ إرادةٍ منه، ولذلك كان حقيقاً على اللهِ أن يُعرِّفَه بأنَّ له إلهاً هو الله الذي خلقَه ليعبُدَه. فالإنسانُ لم يُخلَق ليتبيَّنَ وحدَه ذلك الذي غُيِّبَ عنه. فعقلُ الإنسانِ محدودُ القدراتِ مُحدَّدٌ بحدودٍ معرفيةٍ لم يُقدَّر له أن يتعدَّاها. وهذا هو عينُ ما بوسعِنا أن نتبيَّنه بتدبُّرِنا ما جاءنا به قرآنُ اللهِ العظيم. فاللهُ تعالى تكفَّلَ بأن يُبيِّنَ للإنسانِ هذا الذي يتوجَّبُ عليه أن يقومَ به حتى يكونَ من الذين هداهم اللهُ إليه.
وتبيانُ اللهِ تعالى هذا هو ما جاءت الإنسانَ به كتبُ اللهِ التي ما أنزلَها إلا لتُبيِّنَ له حقيقةَ الأمرِ: فالإنسانُ إما أن يتَّبعَ هدى اللهِ فيكونَ من الناجين، أو يُعرِضَ فيكونَ بذلك من الهالكين (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ. وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) (من 38- 39 البقرة). وهو ذات المعنى الذي بوسعِنا أن نتبيَّنه بتدبُّرنا ما جاءتنا به سورةُ الإعراف في آيتَيها الكريمتَين 35- 36 (يَا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ. وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُون).
فاللهُ تعالى هو مَن ألهمَ تفسَ الإنسانِ فجورَها وتقواها، وهذا هو عينُ ما جاءتنا به سورةُ الشمس في آيتِها الكريمة 8 (فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا). ففجورُ النفسِ هو بإعراضِ صاحبِها عن هَدي الله وإيثارُه أن يتَّبعَ عوضَ ذلك هواه. وتقوى النفسِ هو باتِّباعِ صاحبِها هَدي الله وإعراضُه عما يأمرُه به هواه.