
ما هو العلمُ الذي تُشير إليه آيتا سورة الأنعام الكريمتان: (نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ) و(هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا)؟
يتكفَّلُ بالإجابةِ على هذا السؤال أن ندركَ أنَّ هذا العلمَ لا يمكنُ بحال أن يكونَ مما بمقدورِ بني آدمَ أن يُحيطوا به بإعمالِ العقل. فالقرآنُ العظيم قد كشفَ لنا النقابَ عن أنَّ هذا العلمَ لا يتأتَّى لابنِ آدمَ أن يُحيطَ به إلا بأن يؤتيَهُ اللهُ تعالى إياه. فهاتان الآيتانِ الكريمتانِ تتحدَّيانِ بالتالي مُعاصري رسولِ اللهِ صلى الله تعالى عليه وسلم من مُشركي العرب أن يأتوا بـ “كتابٍ من عندِ الله” فيه ما يزعمون! وهذا ما بوسعِنا أن نتبيَّنَه واضحاً جلياً بتدبُّرِنا السياق الذي وردت فيه هاتان العبارتان الكريمتان من سورة الأنعام: (ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) (143 الأنعام)، (سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُون) (148 الأنعام).
ويؤكد هذا الذي انتهيتُ إليه ما بوسعِنا أن نتبيَّنه بتدبُّرنا الآيات الكريمة التالية: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ اِئْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) (4 الأحقاف)، (أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتَابُ لَكُنَّا أَهْدَى مِنْهُمْ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ) (من 157 الأنعام)، (فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا لَوْلَا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ. قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) (48- 49 القصص).