هل حقاً قدَرنا رسولَ اللهِ صلى الله تعالى عليه وسلم حقَّ قدرِه؟

يحقُّ لنا أن نتساءلَ عن العلةِ من وراءِ هذا الذي نحن عليه من عجيبِ حالٍ مع اللهِ تعالى انعكسَ علينا معيشةً ضنكاً، حتى لكأنَّ واحدَنا كان من أولئك الذين فصَّلت سورةُ طه حالَه مع اللهِ تعالى بما نصَّت عليه آيتُها الكريمة 124 (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى). ولعلَّ هذه العلةَ أن يكونَ مكمنُها هذا الإصرارُ من جانبِنا على أن نتعايشَ مع المتناقضاتِ التعايشَ الذي يكفي لإقامةِ البرهانِ عليه أن نستذكرَ عجزَنا عن أن نفعلَ ما نقول! وبهذا العجزِ من جانبِنا عن أن نفعلَ ما نقول، فإننا نكونُ قد أقمنا على أنفسِنا الحجةَ بأنَّنا من أولئك الذين بيَّنت سورةُ الصف ما هم عليه من خطرٍ محدِقٍ عظيم إذ قالت في آيتَيها الكريمتَين 2- 3 ما نصُّه (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ. كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ). وإلا فكيف نُفسِّرُ عجزَنا عن أن نقدِرَ رسولَ اللهِ صلى الله تعالى عليه وسلم حقَّ قدرِهِ إذ افترقنا في أمره فرقتين؟! فمنا مَن بالغَ في تعظيمِ قدرِه صلى الله تعالى عليه وسلم حتى قلنا فيه ما لم يقله مَن سبقَنا من الأمم في أنبيائهم المرسَلين، فنسينا بذلك ما حذَّرهم اللهُ تعالى من مغبةِ إصرارِهم على المضي فيما كانوا عليه من الغلو والمغالاة (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ ) (من 171 النساء)، (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ) (من 77 المائدة).
ومنا مَن ظنَّ أنَّ “التوحيدَ الخالص” لله تعالى يقتضي منه وجوبَ أن يقولَ فيه صلى الله تعالى عليه وسلم ما كان أقوامُ الأنبياءِ المرسلين يقولون فيهم عليهم السلام من أنهم بشرٌ فحسب، فينسون بذلك ما أثبته القرآنُ العظيم في حقِّ هؤلاءِ الأنبياءِ المرسلين من أنهم وإن كانوا بشراً، جِبلةً وخِلقة، فإنَّ اللهَ يختصُّ برحمته من يشاء، ويؤتي مَن يشاءُ من لدنه أجراً عظيماً يتجلى بكلِّ ما من شأنه أن يجعلَهم عليهم السلام ليسوا كغيرِهم من البشر.
فلو كان رسولُ اللهِ حقاً بشراً فحسب، فلماذا قال اللهُ تعالى في نسائه صلى الله تعالى عليه وسلم (يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ) (من 32 الأحزاب)؟ أليس ذلك لأنه صلى الله تعالى عليه وسلم ليس كأحدٍ من الرجال؟!
يتبيَّنُ لنا إذاً مما تقدَّم أنَّ السوادَ الأعظمَ منا لم يقدِر رسولَ اللهِ صلى الله تعالى عليه وسلم حقَّ قدرِه، وأنَّنا مُطالبون، والحالُ هذه، بأن نعملَ جاهدينَ على أن نُصحِّحَ علاقتَنا باللهِ تعالى التصحيحَ الذي يستوجبُ منا أولاً أن نُزيلَ هذا التناقضَ الذي يشوبُ علاقتَنا به صلى الله تعالى عليه وسلم دون إفراطٍ أو تفريط، ومن دون مبالغةٍ أو تقصير!

أضف تعليق