
يُصِرُّ كثيرٌ من عُشاق الدنيا على إقحامِ دينِ اللهِ تعالى في أمورٍ هو أبعدُ ما يكونُ عن الخوضِ فيها. ومن ذلك هذا الذي لا يَني هؤلاء عن التصريحِ به، سراً وعلانية، من أنَّ لدينِ اللهِ تعالى أن يقولَ كلمتَه في هذا الذي ينشغلُ به السياسيون من أمورٍ ذاتِ صلةٍ بما يظنُّ هذا أو ذاك منهم بأنَّه “المنهاجُ الأفضلُ” حتى تستقيمَ به أمورُ الناسِ!
ويبدو أنَّ هؤلاءِ الذين جعلوا “تسييسَ دين اللهِ تعالى” منهاجَهم التعبُّدي، الذي لا يرونَ عنه بديلاً، قد فاتهم أن يتبيَّنوا “الرسالةَ الإلهيةَ” التي جعلَ اللهُ تعالى دينَه الحنيفَ القويمَ “يقتصرُ” عليها دونَ غيرِها من “رسائل” ما أنزلَ اللهُ تعالى بها من سلطان! وإلا فكيف نعلِّلُ إذاً لهذا الإنشغالِ منهم بـ “تسييسِ دينِ اللهِ تعالى” وزجِّهِ في سُوحٍ هو بعيدٌ عنها كلَّ البُعد؟! فاللهُ تعالى ما أنزلَ دينَه الحنيفَ القويم إلا ليهتدِيَ به الإنسانُ إلى أنَّ له إلهاً واحداً هو الله الذي سيبعثُهُ من بعدِ الموتِ ليُحاسبَه على ما جنته يداهُ في دُنياه. واللهُ تعالى لم يُرسِل أنبياءَه حتى يُشغلوا الناسَ بأمورٍ هم أعلمُ بها منهم! فما لدينِ اللهِ تعالى و”أمور” تعفَّفَ عن التطرُّقِ إليها لا لشيءٍ إلا لأنها مما بمقدورِ الناسِ أن يتبيَّنوا السبيلَ الأمثلَ لتدبُّرِها والانتفاعِ بها والوصولِ من ثمَّ إلى تحقيقِ مبتغاهم الدنيوي به؟!
إنَّ كلَّ مَن يُخفِقُ في تبيُّنِ مُرادِ رسالةِ دينِ اللهِ تعالى، وأن هذا المرادَ الإلهي لا علاقةَ له من قريبٍ أو بعيدٍ بهذه الحياةِ الدنيا طالما كانت الآخرةُ هي المآلُ الذي خلقَ اللهُ تعالى الإنسانَ له، لن يجدَ غيرَ “تسييسِ دينِ اللهِ تعالى” سبيلاً إلى التعريفِ بهذا الذي يريدُه اللهُ تعالى من الإنسان! ويبدو أنَّ مَن يُصِرُّ على “تسييسِ دينِ اللهِ تعالى” قد فاته أن يستذكرَ قولَ رسولِ اللهِ صلى الله تعالى عليه وسلم: “أنتم أعلمُ بأمورِ دنياكم”. أوَليست السياسةُ هي من “أمورِ دنيانا” التي بيَّنَ لنا رسولُ اللهِ صلى الله تعالى عليه وسلم أنَّنا أعلمُ بها منه، وذلك طالما كان اللهُ تعالى لم يُرسله صلى الله تعالى عليه وسلم حتى يُعينَنا على أمورٍ نحنُ قادرون بعقولِنا على تدبيرها؟!
ويكفينا في هذا السياق أن نستذكرَ ما يدأبُ على التصريحِ به “مُسيِّسو دينِ اللهِ تعالى” من “أنَّ اللهَ تعالى لَينصرَ الحاكمَ العادلَ وإن كان كافراً، ويخذلَ الحاكمَ الجائرَ وإن كان مؤمناً”! فما الداعي بعد ذلك كلِّه إذاً إلى إقحام دينِ اللهِ تعالى والزَّجِّ به في “أمور دنيا” يكفي مَن كان من أهلِها عادلاً أن ينصرَه الله وإن كان كافراً؟!