
لم يكُن اللهُ ليأمرَ عبادَه بتدبُّرِ القرآنِ العظيم إلا لِما يعودُ به ذلك عليهم من خيرٍ جزيل. ومن ذلك أنَّ تدبُّرَ القرآنِ العظيم كفيلٌ بأن يُعينَ متدبِّرَ آياتِه الكريمة على أن يتبيَّنَ المعنى الذي تنطوي عليه هذه الآيات. ويتجلى ذلك أيَّما تجلٍّ في هذا الذي بوسعِ آيةٍ كريمةٍ ما أن تُلقِيَ الضوءَ على آيةٍ كريمةٍ أخرى لا سبيلَ لتبيُّنِ معناها بعيداً عن هذا الضوء.
ولقد جئتُ في منشوراتٍ عديدة بأمثلةٍ على ذلك. وفي هذا المنشور سوف أتطرق إلى ما بمقدورِ تدبُّرِ القرآن العظيم أن يزوِّدَنا به من قدرةٍ على استكناهِ معنى مصطلحاتٍ شاعت فينا دون أن يكونَ بمقدورِنا أن نتبيَّنَ معناها. فمصطلح “الملائكة الكرام” لا سبيلَ إلى تبيُّنِ معناه إلا بتدبُّرِ الآيتين الكريمتَين التاليتين: (وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ) (من 31 يوسف)، (لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُون) (من 172 النساء). فكلمة “كريم” هنا تعني “مُقرَّب”. وبذلك يكون معنى مصطلح “الملائكة الكرام” هو “الملائكة المقرَّبون”. و”الملائكة المقرَّبون” هم أقربُ ملائكةِ اللهِ إلى عرشِه.