
خلقَ اللهُ تعالى الإنسانَ ضعيفاً (وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا) (من 28 النساء)، وليس في ذلك ما يؤيِّد ما يذهبُ إليه المُشكِّكون من أنَّ هنالك تعارضاً بين كونِ الإنسانِ قد خُلِقَ ضعيفاً وبين ما جاء في سورة التين من أنَّ اللهَ قد خلقَه في أحسنِ تقويم (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) (4 التين). فاللهُ تعالى خلقَ آدمَ في أحسنِ تقويم، ثم حدثَ ما جعلَ من الإنسانِ يُرَدُّ أسفلَ سافلين (ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ)، وذلك من بعدِ أكلِ أبوَينا من شجرةِ الجنةِ التي كان اللهُ قد نهاهما عن الأكلِ منها. ولقد نجمَ عن “ردةِ أسفلِ سافلين” هذه ما حتَّمَ على الإنسانِ وجوبَ أن تطالَ بُنيتَه البايولوجية والفسيولوجية والسايكولوجية اعتلالاتٌ جعلته “ضعيفاً” وذلك مصداق قولِه تعالى (وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا).
ومن بين مفرداتِ هذا “الضعف الخَلقي- البُنيوي” أن كان الإنسانُ عَجولاً يفتقِرُ إلى الصبرِ فلا قدرةَ له بالتالي على أن ينتظرَ حتى تُثمِرَ الأسبابُ نتائجَها! وهذا هو ما بوسعِنا أن نتبيَّنَه بتدبُّرِنا ما جاءنا به قرآنُ اللهِ العظيم بهذا الشأن: (وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا) (11 الإسراء)، (خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ) (من 37 الأنبياء).
ومعنى أن يكونَ الإنسانُ قد “خُلِق من عَجَل” هو أنَّه إن كان هناك من شيءٍ قد خُلِقَ منه الإنسانُ، مجازاً، فلا يمكنُ لهذا الشيء أن يكونَ غير العَجل، وذلك في إشارةٍ من قرآنِ اللهِ العظيم إلى هذا الذي يتمايزُ به الإنسانُ عن غيرِه من “مخلوقاتِ اللهِ الطينية” تعجُّلاً وتسرُّعاً وافتقاراً إلى الأناةِ والصبرِ والتمهُّلِ والتروِّي. وهذا “التعجُّلُ” هو سِمةٌ لا مفرَّ من أن يتَّصِفَ بها كلُّ مَن وُلِدَ من صُلبِ إبنِ آدم. فيكفينا أن نستذكرَ ما جاءتنا به سورةُ طه في الآية الكريمة 114 منها (وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ)، وفي الآية الكريمة 83 منها (وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسَى)، وما جاءتنا به سورة الأعراف في الآية الكريمة 150 منها (وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ).