
هل كانت الجنةُ التي أسكن اللهُ تعالى آدمَ وزوجَه إياها على هذه الأرض حقاً، وذلك كما يزعمُ البعض؟
تقتضي الإجابةُ على هذا السؤال بالضرورة وجوبَ أن نتدبَّرَ ما جاءنا به القرآنُ العظيم بشأنِ هذه الجنة. فاللهُ تعالى أسكنَ آدمَ وزوجَه هذه الجنة، وذلك كما بوسعنا أن نتبيَّنه بتدبُّرِنا ما جاءتنا به سورةُ الأعراف في الآية الكريمة 19 منها (وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِين).
ثم تعيَّنَ على آدمَ وزوجِه أن يغادرا تلك الجنة ويعودا إلى الأرضِ من جديد بعدَ أن أكلا من شجرتِها التي كان اللهُ قد نهاهما عنها (قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِين) (24 الأعراف). وأمرُ اللهِ تعالى هذا، الذي قضى بأن يخرجَ أبوانا من جنتِه، لا يمكنُ على الإطلاق أن يكونَ هو ذاتُ ما وردَ في الآية الكريمة 30 من سورة البقرة (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ). فالاستخلافُ في الأرضِ أمرٌ لا يمكنُ أن يكونَ مرادفاً لما ينطوي عليه أمرُ اللهِ تعالى لآدمَ وزوجِه بالخروج من الجنة والهبوطِ إلى الأرض، وذلك طالما كان هذا الأمرُ يشتملُ على ما فصَّلته لنا سورةُ طه في آياتِها الكريمة: (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى (116) فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى(117)إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى(118)وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى).
فأي استخلافٍ في الأرض هذا الذي يجلبُ الشقاء؟! يتبيَّنُ لنا إذاً، وبتدبُّرِ ما تقدم، أنَّ العلةَ من وراءِ إصرارِ البعض على أنَّ جنةَ أبوينا آدم وحواء لا يمكنُ أن تكونَ في السماء، وأنها كانت في الأرض، تعودُ إلى أنَّ القولَ بخلافِ ذلك هو من وجهةِ نظرِهم سيُفضي إلى الوقوعِ في تناقضٍ لن يحولَ دونَ وقوعِنا فيه إلا بأن نقولَ بأنَّ اللهَ تعالى أسكنَ آدمَ وزوجَه جنَّته التي كانت على هذه الأرض. وهذا إن دلَّ على شيءٍ فإنما يدلُّ على ما قد نأى إصرارُ القومِ على قراءةِ القرآنِ العظيم دون تدبُّرٍ لآياتِه بهم بعيداً عن الوقوعِ على الحقيقةِ التي كان يكفيهم حتى يُحيطوا بها أن يتدبَّروا القرآنَ ولا يكتفوا بقراءةِ آياتِه الكريمة دون تدبُّر!