
برَّرَ إبليسُ لإبائه الامتثال لأمرِ اللهِ تعالى بالسجودِ لآدم بأنه خيرٌ منه وذلك لأنه خُلق من نارٍ وآدم خُلِقَ من طين (قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَأَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ. قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ) (75- 76 ص). ولقد برهنَ إبليسُ بهذه الإجابةِ منه على أنه لا يستحقُّ أن تجمعَهُ مع ملائكةِ اللهِ المقربين جنةُ المأوى التي كان اللهُ قد أذِنَ له بأن يتعبدَ له فيها معهم. كما وبيَّنت إجابةُ إبليس هذه أنَّه، وبهذا الذي عابَه على آدمَ من “خِلقةٍ من طين”، قد فاتهُ أن يستذكرَ ما كان اللهُ تعالى قد قاله بشأنِ آدم من أن الملائكةَ سيتوجبُ عليهم أن يسجدوا له ما أن يكتملَ تخلُّقُه من طين وينفخَ فيه من روحه (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ. فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ) (28- 29 الحجر). فآدم إذاً لم يكن مخلوقاً من طينٍ فحسب طالما كان اللهُ تعالى قد اختصَّهُ فنفخَ فيه من روحِه نفخةً هي التي صار بمقتضاها إنساناً في أحسنِ تقويم (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) (4 التين).
وهذا الذي فاتَ إبليسَ أن يتبيَّنه بشأنِ الخِلقةِ الفريدةِ الاستثنائيةِ التي انفردَ بها آدمُ عن باقي مَن خلقَ اللهُ من طين، نباتاً كان أم حيواناً، هو عينُ ما فاتَ داروين أن يتبيَّنه بشأنِ خِلقةِ الإنسان الذي ظنَّ وتوهَّمَ أنَّه ليس بأكثرَ من كائنٍ بايولوجي لا يتمايزُ عن غيرِه من الكائنات البايولوجية إلا بهذا الذي هو عليه من تعقيدٍ فرضتهُ عليهِ قوانينُ التطور البايولوجي!
وبذلك فإنَّ داروين قد برهنَ على أنَّه لم يُحِط بحقيقةِ الإنسان التي لا سبيل إلى الإحاطةِ بها إلا بأن يُقارَبَ الإنسانُ مقاربةً تأخذُ بنظرِ الاعتبار ماضيه الطيني، في الوقت الذي لا تغفلُ عن حقيقةِ كونِه سليلَ أبيهِ آدم الذي كان اللهُ قد خلقَه من طين ثم نفخَ فيه من روحه، فأصبحَ بنفخةِ “كن فيكون” هذه إنساناً في أحسنِ تقويم.