
ما كان اللهُ تعالى ليجعلَ قرآنَه العظيم تقتصرُ عجائبُهُ على زمانٍ دون آخر، وإلا لكان في ذلك ما لا يتفق مع ما نطق به رسولُه الكريم صلى الله تعالى عليه وسلم، وهو الذي لا ينطق عن الهوى. فهذا القرآنُ “كتابٌ لا تنقضي عجائبُهُ” وذلك كما وصفه سيدُنا محمد صلى الله تعالى عليه وسلم. ونُخطئُ إن نحنُ ظنَنَّا أن ليس للأواخرِ نصيبٌ من عجائبِ القرآن وذلك بحجة “أنَّ الأوائلَ قد أتوا بما لا قدرةَ لمن سيأتي من بعدهم على أن يجئَ بأحسن منه”! فالأمرُ لا علاقةَ له بأوائلنا وأواخرِنا طالما كان ذا صلةٍ بهذا القرآنِ الذي لا تنقضي عجائبُه.
ولا أظنُّ أنَّه مما يُشرِّفُ المرءَ أن لا يقدِرَ القرآنَ العظيمَ حقَّ قدرِه فيبخسَه قدرَه بهذا الذي يُغالي فيه من تقديرٍ لهذا أو ذاك ممن شرَّفهم اللهُ تعالى بخدمته ظناً منه وتوهماً أنَّه بذلك إنما يُعظِّمُ من شأنِهم، فيكونُ ذلك على حسابِ تعظيمِهِ لأقدسِ شعائرِ الله والتي أنبأنا هذا القرآنُ بأن تعظيمَها من تقوى القلوب!
وفي هذا المنشور سوف أتطرَّقُ إلى تبيانِ ما بإمكانِ تدبُّرِ القرآن أن يفيضَ به على مُتدبِّرِه من جودِ عجائبِه. لنتدبَّر ما حفظته لنا سورةُ آل عمران، وفي الآية الكريمة 36 منها، من قصَصِ آل عمران (فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ). فلماذا لم ترِد عن أوائلنا نصيحةٌ لعلَّنا إن أخذنا بها وانتصحنا يجعل اللهُ تعالى بها في ذريتِنا صلاحاً بهذا الذي تجعلُهم استعاذتُنا به إياهم من الشيطانِ في مأمنٍ من تزيينِه ومكرِه وفتنتِهِ؟! أفلم يكن حرياً بهم أن ينصحوا لنا بأن نُعيذَ ذُرِّياتِنا من الشيطانِ الرجيم عوضَ إشغالِنا بما لا طائلَ من ورائِه دنيا وآخرة؟!