
من بين ما تفاجؤنا به سورةُ الأحقاف هذا الذي جاء على لسانِ النفر من الجن الذين صرفَهم اللهُ تعالى إلى رسولِه الكريم صلى الله تعالى عليه وسلم ليستمعوا إلى القرآنِ، والذي بإمكانِنا أن نتبيَّنه بتدبُّرِنا الآيتين الكريمتين 29- 30 منها: (وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ. قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ).
فلماذا لم يذكر هؤلاء الجِنُّ الكتابَ الذي أنزلَه اللهُ تعالى على سيدِنا عيسى عليه السلام؟ وإذا كان هؤلاء الجنُّ يُشيرون إلى التوراة، فلماذا لم يرِد في حديثِهم إلى قومِهم أيُّ ذكرٍ للإنجيل؟
تكمنُ الإجابةُ على هذين السؤالَين في الحقيقةِ التي مفادُها أنَّ هؤلاءِ الجنَّ لم يكونوا “جِناً أرضيين”، وإنما كانوا “جِناً فضائيين”. فلو كان هؤلاء الجِنُّ من أهل الأرض لما غابَ عنهم أنَّ اللهَ تعالى أنزلَ كتاباً من بعدِ سيدنا موسى عليه السلام، هو الكتابُ الذي أنزلَه على سيدِنا عيسى عليه السلام، أي الإنجيل. فجِنُّ الفضاءِ لا يأتون إلى الأرض هكذا ومن دونِ أن يسبقَ مجيئهم أمرٌ من اللهِ الذي حرَّمَ الأرضَ عليهم ما لم يأذن لهم بزيارتِها، صرفاً منه تعالى لهم إلى أمرٍ ما يتوجَّبُ عليهم أن يكونوا عليه من الشاهدين، أو لأمرٍ ذي صلةٍ بنُصرتِهِ تعالى لمن شاءَ أن يكونَ له مُعيناً وناصراً.
وهكذا فلقد قُدِّرَ لهؤلاءِ الجِنِّ الفضائيين أن “يصرِفَهمُ” اللهُ تعالى إلى سيِّدِنا موسى ليستمعوا إلى التوراة قبل أن يعودوا إلى قومِهم مُنذِرين. وهكذا فلقد توجَّبَ على هؤلاءِ الجِن أيضاً أن يعودوا إلى الأرضِ تارةً أخرى من بعدِ أن “صرفَهم” اللهُ تعالى إليها ليستمعوا إلى القرآن ثم يعودوا من بعد ذلك إلى قومِهم مُنذرين.