صرفَ اللهُ تعالى إلى رسولِه الكريم صلى الله تعالى عليه وسلم نفراً من الجن يستمعون القرآن (وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ) (29 الأحقاف)، (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا) (1 الجن).
وهؤلاءِ الجنُّ كانوا جِناً سماويين، وذلك بالمقارنة مع غيرِهم من جنِّ الأرض الذين كانوا على علمٍ ودرايةٍ بأنَّ اللهَ تعالى قد بعثَ من بعدِ سيِّدِنا موسى عليه السلام أنبياءَ كان آخرَهم رسولُه الكريم صلى الله تعالى عليه وسلم. ولذلك فلقد أنبأ هؤلاءِ الجنُّ قومَهم بُعَيدَ عودتِهم من الأرض بأنَّ اللهَ تعالى قد أنزلَ كتاباً من بعدِ كتابِ سيِّدِنا موسى (قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيم) (30 الأحقاف).
وجِنُّ السماءِ هؤلاء كانوا يُدركون أنَّهم لن يستطيعوا أن يُعجِزوا اللهَ تعالى في الأرض هرباً منه وفراراً (وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعجِزَ اللَّهَ فِي الْأَرْضِ وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَبًا) (12 الجن). فاللهُ تعالى الذي هو في السماءِ إلهٌ، هو في الأرضِ إلهٌ أيضاً (وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيم) (84 الزخرف).
قارن هذا الذي هم عليه الجنُّ، من إيقانٍ بأنَّهم غيرُ معجزي الله في الأرضِ ولا في السماء، بحالِ مَن عجزوا عن تبيُّنِ ما هم عليه من ضعفِ حالٍ فراحوا يتشرَّطون على أنبياءِ اللهِ تعالى “ما ينبغي” و”ما لا ينبغي” حتى يؤمنَ واحدُهم بالله إلهاً واحداً لا إلهَ إلا هو! (وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ) (22 العنكبوت).
وبعد هذا فإنَّك لا تزال تجدُ مَن يُجادلُك في الإنسانِ إصراراً من جانبِهِ على أنَّه ذو عقلٍ عظيم! فيا له من عقلٍ عظيمٍ ذاك الذي فاته أن يُدرِكَ ما لم يغِب عن إدراك الجن أرضِييهم وسماوِييهم!
