نقرأ في سورةِ ص أنَّ اللهَ تعالى قد ابتلى سيدَنا داود عليه السلام، وذلك عندما أرسلَ إليه إثنين من الملائكةِ تمثلا له بشرَين سَوِيَّين (وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ. إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لَا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ. إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ. قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ وَظَنَّ دَاوُدُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ) (21- 24 ص).
إذاً فلقد تبيَّنَ لسيدِنا داود، من بعدِ تدبُّرِهِ لهذا الذي حدثَ له مع “الرجلَين” المتخاصِمَين، أنَّ اللهَ تعالى قد فتَنه بهما “فتنةَ ابتلاءٍ”، وذلك بُغيةَ ردعِهِ عن المُضي قُدُماً في القيامِ بما كان عاقدَ العزمِ على فِعله. وإذا كان يتعذَّرُ علينا أن نتبيَّنَ على وجهِ اليقين ما الذي كان ينوي سيدُنا داود القيامَ به، فإنه يكفينا أن نخلُصَ إلى أنَّه عليه السلام وجدَ فيما حدثَ له مع هذين “الرجلين” المتخاصمَين ما يستدعي منه وجوبَ أن يستغفرَ اللهَ تعالى وذلك من بعدِ أن تبيَّن له أنَّهما ما “أُرسِلا” إلا رحمةً من الله به ليصرفَ اللهُ تعالى عنه ما كان ليجعلَ منه عليه السلام حالَ الإقدام على فعلِهِ من الظالمين. وهذا ما جعلَ من سيدِنا داود عليه السلام يستغفرُ اللهَ ويخرُّ راكعاً له ومنيباً إليه. فما كان من اللهِ تعالى إلا أن غفرَ له “ذلك” (فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ) (25 ص).
