يظنُّ كثيرٌ ممَّن يقرأون قرآنَ اللهِ العظيم دون تدبُّرٍ أنَّ في هذا القرآن ما يُبرهنُ على ما يقولون به من أنَّ المرأةَ لم تُخلَق حتى تكون صنوَ الرجلِ رجاحةَ عقلٍ وسلامةَ فكر! ويجادلُ هؤلاء المُصِرُّون على الإعراضِ عن تدبُّرِ القرآن العظيم بأن افتقارَ النساءِ إلى “العقل والحكمة” هو العلةُ من وراءِ انتفاءِ مقدرتِهن على القيامِ بما يتطلَّبُه تبليغُ رسالاتِ الله من عقلٍ وحكمة! ويستدلُّ هؤلاءِ على ذلك بآياتٍ كريمةٍ من مثل ما جاءتنا به سورةُ الزخرف في الآية الكريمة 18 منها (أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِين).
فهذه الآيةُ الكريمة، كما يرى هؤلاء المُعرِضون عن تدبُّرِ القرآن العظيم، تقطعُ بأنَّ النساءَ قاطبةً لا يُحسِنَّ شيئاً غير التزيُّنِ وإتقانِ كلِّ ما من شأنِهِ أن يجتذبَ إليهن أنظارَ الرجال، وأنَّهن لذلك لا قدرةَ لهن على أن يُضارِعنَ خصومَهنَّ من الرجال فيقارعونهم الحجةَ بالحجة! ولو أنَّ هؤلاءِ المتحاملين على النساء، والمُعرضين عن تدبُّرِ القرآن العظيم، قرأوا هذه الآيةَ الكريمة بتدبُّرٍ لتبيَّن لهم أنَّ المرأةَ لم تُخلَق حتى تٌنشَّأ في الحِلية فلا يكونُ لها بالتالي حظٌّ من عقلٍ مخاصِمٍ مُبين! فالعيبُ هو عيبُ من أنشأهُنَّ على ذلك حتى لا يكونَ بمقدورِهِنَّ أن يُجِدنَ شيئاً غيرَ التزيُّنِ للزوج الذي لُقِنَّ، ومنذ نعومةِ أظفارِهنَّ، أنه هو من ينبغي أن يسجدنَ له من بعد الله تعالى!
فيكفي النساءَ قدرةً على حكمِ الرجالِ ما جاءتنا به سورةُ النمل في الآيات الكريمة 29- 33 منها (قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ. إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ. قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ. قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ).
إنَّ تدبُّرَ الآيةَ الكريمة (أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِين) أعلاه ليَدلُّ دلالةً قاطعةً على أنَّ الأمرَ كلَّه منوطٌ بهذا الذي “تُنشَّأ” عليه النساء؛ فإن أنتَ أنشأتَ الفتاة على أن يكونَ كلُّ همِّها أن تتزيَّن حتى يحينَ الوقتُ لتُصبح عروسةَ فارسِ أحلامِها، فلن تحصدَ إلا امرأةً لا تُحسِنُ شيئاً غيرَ هذا التزيُّنِ والتجمُّلِ، ولا تُتقنُ فنَّ إقامةِ الحجةِ على الخصم! وهذا هو عينُ ما كان عليه الحالُ في الجاهليةِ الأولى التي جاء الإسلامُ ليمحوها عن وجهِ الأرض. غيرَ أنَّ بعضاً ممن كانوا على هذه الجاهليةِ من القوم أبى إلا أن يُخفِيَها في قلبِه وإن أظهرَ لسانُه وجوارِحُه خلاف ذلك من ممارسةٍ شَكليةٍ لشعائرِ الإسلام ومناسكِه!
إنَّ المرأةَ لم تُخلَق حتى يكونَ لها سيدٌ غيرُ الله، فهي مثل غيرها من الجنِّ والإنس ما خُلِقت إلا لتعبدَ الله (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) (56 الذريات).
