لم يَطُل الأمرُ كثيراً بسيدِنا زكريا حتى يدركَ أنَّه لن يكونَ بمقدورِه أن يحظى بغلامٍ من ذريَّتِه، وذلك بعدما تبيَّنَ له أن امرأتَّهُ كانت عاقراً. ولم يكن أمامَ سيدنا زكريا والحالُ هذه إلا أن يتوجَّه إلى اللهِ تعالى يدعوه أن يهبَ له هذا الغلام (وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِين) (89 الأنبياء). ومرَّت عقودٌ من السنين وسيدُنا زكريا مواظبٌ على هذا الدعاء حتى خطر له عليه السلام أنَّ عدم استجابةِ اللهِ تعالى له قد تعني أنَّه “غيرُ مُقدَّرٍ” له أن يحظى بغلامٍ من ذريته. فكان أن توجَّهَ عليه السلام إلى اللهِ تعالى يدعوه أن يهبَ له من لدنه “ولياً” يتكفَّلُ بما كان يأملُ أن يُكلِّفَ به إبنَه الذي لم يحظَ به (كهيعص. ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا. إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا. قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا. وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا. يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا) (1- 6 مريم).
ولكن ما الذي حدثَ فجعلَ من سيدنا زكريا يعود ليدعو اللهَ تعالى من جديد أن يهبَ له ذريةً طيبة، وذلك من بعد أن استيأس وظنَّ أنَّه لن يحظى أبداً بغلامٍ من ذريته؟ (هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ) (38 آل عمران). هذا ما سوف أتطرقُ إليه إن شاء الله بشيءٍ من التفصيل في منشورٍ لاحق.
