لماذا وصف اللهُ تعالى سيدَنا المسيح عليه السلام في الآية الكريمة 171 من سورة النساء بأنه “كلمتُه” (إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ)؟ ولماذا أشارَ اللهُ تعالى إليه عليه السلام في الآية الكريمة 45 من سورة آل عمران بأنه “كلمةٌ منه” (إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ)؟
يُعينُ على الإجابةِ على هذا السؤال أن نستذكرَ “الحَملَ العجائبي” للسيدة مريم، والذي اقتضته “الولادةُ العجائبيةُ” لسيدنا المسيح. فالسيدةُ مريم عليها السلام ما كان لها أن تحملَ بسيدِنا المسيح لولا أنَّ اللهَ تعالى نفخَ فيها من روحِهِ بكلمة “كن” فيكون (قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُون) (47 آل عمران).
يتبيَّنُ لنا بتدبُّرِ ما تقدَّم أنَّ وصفَ اللهِ تعالى لسيدِنا المسيح تارةً بأنه “كلمتُهُ” وأخرى بأنه “كلمةٌ منه”، إنما يعودُ إلى ما لكلمة “كن” فيكون من “دورٍ حاسمٍ” في تخلُّقِه عليه السلام. فلولا كلمة “كن” فيكون، ما كان لسيدنا المسيح أن ينبثقَ إلى الوجودِ آيةً للناس (قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا) (21 مريم).
فاللهُ تعالى إذ أرادَ أن يولدَ سيدُنا المسيح من غيرِ أبٍ فإنَّ الأمرَ لم يكن ليقتضيَ غيرَ أن يقولَ له عليه السلام “كن” فيكون، وذلك مصداقَ ما جاءتنا به سورةُ النحل في الآية الكريمة 40 منها (إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُون).
