حضَّ القرآنُ العظيمُ المُشكِّكين بإلهيتِه على أن يتدبَّروه، وبيَّنَ لهم أنَّهم إن فعلوا فلن ينتهوا إلا إلى أن هذا القرآن لا يمكن أن يكون من عند غير الله (أفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا) (82 النساء).
فلو كان القرآنُ العظيم حقاً من عند غير الله، فهل كنا لنقرأَ في سورة الأحزاب ما حفظته لنا آياتُها الكريمة التي أسهبَت في وصفِ ما كان عليه المؤمنون من تزعزُعٍ واضطراب وهم ينظرونَ فيرونَ الآفاقَ من حولِهم وقد امتلأت حشوداً وجنوداً يتربَّصون بهم ويوشكون على الفتك بهم؟ (إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَ. هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا) (10- 11 الأحزاب). فلو كان هذا القرآنُ من عندِ غيرِ الله فإننا لم نكن لنجدَ فيه إلا تعظيماً وتمجيداً للمؤمنين، وليس تعريضاً بهذا الذي كانوا عليه من ضعفٍ في العقيدةِ لا يجدرُ أن يصدرَ عن المؤمن القوي.
إنَّ حرصَ القرآنِ العظيم على ألا يُحابيَ على حساب الحق أحداً من الخلق كائناً من كان، لَيدلُّ على أنَّ مَن صاغَ بُنيانَه وسطرَ كلماتِهِ لا يمكن أن يكونَ إلا الله الحق المبين.
