تحتَّمَ على الإنسانِ، ومن بعدِ اضطرارِه إلى الخروجِ من الجنةِ والعودةِ إلى الأرضِ تارةً أخرى، أن يشرعَ بعبادةِ اللهِ حتى يكونَ له أن يهتدِيَ بإذنِ الله إلى ما فيه صلاحُه وخيرُه وسعادتُه في الدنيا والآخرة.
ولقد كانت أولى العبادات التي أمرَ اللهُ تعالى الإنسانَ أن يتقرَّبَ إليه بها هي الاستغفار. ذلك أنَّ ما بدرَ من أبوَينا آدمَ وزوجِه، بأكلِهما من الشجرةِ التي نهاهما اللهُ عنها، كان في حقيقتِه عصيانٌ وغواية. ولم يكن هنالك من سبيلٍ حتى يغادرَ كلٌّ منهما ما كان عليه من ولوغٍ في الإثمِ والمعصية إلا بأن يمنَّ اللهُ عليه بما يجعلُهُ مُؤهَّلاً لذلك. ولقد تجلَّت تلك المِنَّةُ الإلهية بكلماتٍ تلقَّاها أبونا آدم من اللهِ تعالى (فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) (37 البقرة).
فبمقتضى هذه الكلمات فإنَّ أبوَينا قد قُيِّضَ لهما أن يدعوا اللهَ تعالى دعاءً كفلت استجابةُ اللهِ تعالى له أن يتوبَ عليهما (قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (23 الأعراف).
يتبيَّنُ لنا إذاً بتدبُّرِ ما تقدَّم ما للاستغفارِ من عظيمِ قدرٍ عند اللهِ تعالى. فيكفي الاستغفارَ عِظَمَ قدرٍ عند اللهِ تعالى أنَّه كان العبادةَ التي كفلت لأبوَينا آدم وزوجِه أن يستحقا مغفرةَ اللهِ ورحمتَه، وأنه أولى العباداتِ التي فرضها اللهُ على الإنسان حتى يكون له أن يرقى بها إليه.
