ما قدرَ القرآنَ العظيمَ حقَّ قدرِهِ مَن ظنَّ أنَّ إعجازَه يقتصرُ على مبناه اللغوي فحسب. ذلك أنَّ للقرآنِ العظيم إعجازاً معرفياً يقومُ على معناه كما يقومُ إعجازُه اللغوي على مبناه. وإذا كان إعجازُ القرآنِ اللغوي يتعذَّرُ على غيرِ مَن حباهُ اللهُ بلسانٍ عربي أن يتذوَّقَه فيتدبَّرَه فيتبيَّنَه، فإنَّ إعجازَ القرآنِ المعرفي يتخطى حاجزَ اللغةِ ويتعداهُ، وبما يُمكِّنُ كلَّ مَن قُيِّضَ له أن يُحيطَ ببعضٍ منه من أن يتبيَّنَ تمايُزَه عن أيِّ نظامٍ معرفيٍّ آخر دون أن يكونَ لعاملِ اللغةِ دورٌ في هذا التبيُّن.
فيكفي القرآنَ العظيمَ إعجازاً معرفياً أنَّ فيه آياتٍ كريمةً تكشِفُ لمتدبِّرِها النقابَ عن حقائقَ لم يُقدَّر لغيرِ هذا القرآن أن يضعَ يدَه عليها. ومن بينِ هذه الحقائق حقيقةُ أصلِ الإنسانِ؛ هذا الأصلُ الذي لا يزالُ العلمُ المعاصرُ عاجزاً عن أن يتبيَّنَ كلَّ ما ينطوي عليه من غوامض وألغاز وأسرار تجلَّى هذا العجزُ منه عن الإحاطةِ بها بهذا الذي نحنُ عليه اليومَ من “تخبُّطٍ معرفي” حالَ دونَ أن يكونَ بمقدورِ هذا العلمِ أن يُعينَنا على تبيُّنِ علةِ مُشكلةِ الإنسان وتحديدِ السبيلِ إلى علاجٍ ناجعٍ لها.
