يظنُّ كثيرٌ منا أنَّ بالإمكانِ أن يُصارَ إلى التوفيقِ بين “كلِّ” ما جاءنا به القرآنُ العظيم وبين ما يقضي به العلمُ المعاصر من أحكامٍ وافتراضات! ويُفنِّدُ هذا الظنَّ ويدحضُهُ ما يشتملُ عليه القرآنُ العظيم من حقائقَ لا يملكُ العلمُ المعاصرُ حيالَها إلا أن يحكمَ عليها بأنها لا يمكنُ أن تكونَ كذلك، وذلك لأن هذه “الحقائقَ القرآنية” تتعارضُ تمامَ التعارضِ مع ما يقومُ عليه هذا العلمُ من قوانين يزعمُ أن ليس بمقدورِ أي ظاهرةٍ في الوجودِ أن تحدثَ إذا كان في حدوثِها ما يتعارضُ مع هذه القوانين! فيكفينا أن نستذكرَ ما جاءنا به القرآنُ العظيم من “قصَصِ الأولين” حتى يكونَ بمقدورِنا أن نتبيَّنَ لماذا لا يمكنُنا على الإطلاق أن نوفِّقَ بين القرآنِ العظيم والعلمِ المعاصر.
وسوف أكتفي في هذا المنشور بأن أوردَ مثالاً واحداً على ذلك. فلقد أنبأنا القرآنُ العظيم بأنَّ هناك من الأولين مَن عاجلهم اللهُ تعالى بعقابٍ استحالوا بمقتضاه قردةً وخنازيرَ بلمحِ البصر! (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ) (65 البقرة)، (قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِير) (من 60 المائدة)، (فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ) (166 الأعراف).
فكيفَ نظنُّ إذاً، بعد هذا الذي تبيَّنَ لنا بتدبُّرِ هذه الآياتِ الكريمة، أنَّ بمقدورِنا أن نُوفِّقَ بين “كلِّ” ما جاءنا به القرآنُ العظيم وبين ما يقولُ به العلمُ المعاصر؟!
