حفظت لنا سورةُ النمل بعضاً من قصَصِ سيدِنا داود وسيدنا سليمان عليهما السلام. ومن بينِ ما حفظته لنا هذه السورةُ الجليلة ما ورد في الآية الكريمة 15 منها (وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِين).
ويخطئُ كلُّ مَن يظن أن سيدَنا داود وسيدَنا سليمان كانا يتحدثانِ في هذه الآية الكريمة عن “أفضليةٍ” لهما على كثيرٍ من عبادِ اللهِ المؤمنين! فهذا ظنُّ مَن قرأَ هذه الآيةَ الكريمة قراءةً غيرَ متدبِّرة. فتدبُّرُ هذه الآية الكريمة كفيلٌ بأن يُبيِّن لنا أنَّ مَا كان يقصدُ إليه سيدُنا داود وسيدُنا سليمان لم يكن إلا ذكر هذا الذي “تفضَّلَ” به اللهُ تعالى عليهما واختصَّهما به من عظيمِ فضلِهِ فحسب. فكلُّ مَن يتدبَّرُ قصَصَ سيدنا داود وسيدنا سليمان كما وردت في القرآنِ العظيم، لن يستعصيَ عليه أن يتبيَّنَ هذا الذي اختُصَّ به كلٌّ منهما من عظيمِ فضلِ الله تعالى، وذلك كما يتبيَّنُ لنا بتدبُّرِ بعضٍ من آياتِ هذه القصص المباركة: (وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ) (16 النمل)، (وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُدَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ. وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ. وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ. وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذَلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ) (79- 82 الأنبياء)، (وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ. أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِير. وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ) (10- 12 سبأ).
