نُخطئُ إن نحنُ ظنَنَّا أن هناكَ ما بمقدورِهِ أن يُملِيَ على اللهِ تعالى وجوبَ أن يتدخَّلَ تدخلاً مباشراً في هذا السياقِ أو ذاك من سياقاتِ أحداثِ الوجود! فالأمرُ للهِ تعالى، فإن شاءَ تدخَّلَ تدخلاً مباشراً فحالَ تدخُّلُه هذا دون أن يكونَ لأسبابِ الوجودِ وقوانينِه أيُّ تأثيرٍ في سياقِ الأحداث، وإن شاءَ أحجمَ عن التدخُّل فكان لهذه الأسبابِ والقوانين أن تفعلَ في هذا السياقِ ما سبقَ للهِ تعالى وأن أذِنَ لها بأن تفعلَه. ولذلك فليس لنا أن نتساءلَ عن العلةِ من وراءِ تدخُّلِ اللهِ تعالى تدخُّلاً مباشراً في هذا المقطعِ أو ذاك من حياةِ نبيٍّ من أنبيائِه المُرسَلين، بينما أحجمَ عن التدخُّلِ المباشرِ في مقطعٍ ما من حياةِ نبيٍّ آخر من أنبيائِه المُرسَلين.
فاللهُ أعلمُ لماذا اقتضى الأمرُ منه أن يتدخَّلَ في حياةِ سيدِنا يوسف تدخلاً مباشراً صرَفَ عنه بمقتضاهُ السوءَ والفحشاء (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ) (24 يوسف). واللهُ أعلمُ لماذا لم يتطلَّب الأمرُ منه أن يتدخَّلَ في حياةِ سيدِنا موسى فيحولُ تدخُّلُه هذا دون أن ينتصرَ عليه السلام للذي هو من شيعتِه على الذي هو من عدوه انتصاراً انتهى به إلى القضاءِ عليه (وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ) (من 15 القصص).
فالأمرُ يقتضي منا أن نكونَ على إحاطةٍ تامة بـ “خطةِ اللهِ” بحذافيرِها حتى يكونَ لنا أن نتبيَّنَ العلةَ من وراءِ تدخُّلِ اللهِ هنا وإحجامِهِ عن التدخُّلِ هناك. ولأن هكذا إحاطة هي من المستحيلات، فليسَ لنا والحالُ هذه إلا أن نُقِرَّ مُذعنِين بأنَّ الأمرَ ليس لنا حتى نخوضَ فيما ليس لنا به علم!
