معنى كلمة “برهان” في القرآن (2)

تحدثتُ في القسم الأول من هذا المنشور عن أن لكلمة “برهان” في القرآنِ معنيَين إثنين؛ يدور المعنى الأول منهما في فلَك ما أنزلَه اللهُ تعالى من صحُفٍ وكتبٍ على أنبيائِه المُرسَلين، بينما يدورُ المعنى الثاني في فلَكِ ظواهرِ الوجودِ التي تُعجِزُ الإنسانَ عن أن يأتيَ بمثلِها أو أن يكونَ بمقدورِهِ أن يُعلِّلَ لها، وذلك استناداً إلى ما بين يديهِ من علمٍ بهذا الوجود.
لنتدبَّر الآيات الكريمة التالية: (أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُون) (24 الأنبياء)، (أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِين) (64 النمل)، (وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُون) (117 المؤمنون). يتبيَّنُ لنا بتدبُّرِ هذه الآيات الكريمة أنَّ كلمة “برهان” التي تردُ في كلٍّ منها تعني هذا الذي يردُ في أيٍّ من صحُفِ اللهِ الجليلة وكتبِه الكريمة مما يصلحُ أن يكونَ برهاناً يؤيِّدُ دعوى مَن يقولُ بأنَّهُ مُحِقٌّ في اتِّخاذِهِ آلهةً من دون الله، أو مَن يزعمُ بأنَّه يحقُّ له أن يدعوَ مع اللهِ إلهاً آخر.
والآن لنتدبَّر الآياتِ الكريمةَ التالية: (وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ. اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ) (31- 32 القصص)، ( وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ) (من 24 يوسف). يتبيَّنُ لنا بتدبُّرِ هذه الآيات الكريمة أن كلمة “برهان” التي ترد فيها تعني كلَّ ما هو ذو صلةٍ بما ليسَ بإمكانِ الإنسانِ أن يُعلِّلَ له من عجيبِ الظواهرِ وغريبِها. فالإنسانُ لا يزال حتى هذه اللحظة عاجزاً عن أن يُعلِّلَ للكيفية التي بمقتضاها تستحيلُ العصا أفعى، أو للكيفيةِ التي مُكِّنَ سيدُنا يوسف عليه السلام بواسطتِها من أن يرى قدومَ سيدِهِ عِبرَ الجدران.

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s