يشتملُ القرآنُ العظيم على حقائقَ “مُضمَرةٍ” يسَّرَ اللهُ تعالى سبيلَ الوصولِ إليها، والوقوعِ عليها، بأن جعلَ ذلك مشروطاً بالقراءةِ المتدبِّرةِ لآياتِه الكريمة. فالقراءةُ المتدبِّرةُ لآياتِ القرآنِ العظيم تُعينُ على تبيُّنِ ما هو “مُضمَرٌ” من حقائقِه الجليلة، وذلك لأنها قراءةٌ تحرِصُ الحرصَ كلَّه على أن تستحضِرَ كلَّ ما هو ذو صلةٍ بالآيةِ الكريمةِ المُرادُ تدبُّرُها، وذلك على قدرِ تعلُّقِ الأمر بما يشتملُ عليه النَّصُّ القرآنيُّ المُقدَّس من آياتٍ كريمة ذات صلة.
إنَّ كلَّ ما هو “مُضمَرٌ” من القرآنِ العظيم بالإمكانِ أن يُستدَلَّ عليه بتدبُّرِه بما هو “مُعلَنٌ” منه. فيكفينا أن نتدبَّرَ ما جاءتنا به سورةُ الفرقان في الآية الكريمة 37 منها (وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً)، وذلك بأن نقرأه بما جاءتنا به سورةُ العنكبوت في الآية الكريمة 15 منها (فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ).
فما قد “أُضمِرَ” في الآية الكريمة 37 الفرقان، سيتجلى لنا معناه بما هو “مُعلَنٌ” في الآية الكريمة 15 العنكبوت، والأمرُ لا يحتاجُ منا غيرَ أن نستذكرَ أنَّ “المُضمَرَ” و”المُعلَن” في كلتا الآيتين الكريمتين هو فُلكُ سيدِنا نوح عليه السلام. فقومُ سيدِنا نوح ما كان لهم أن يكونوا للناسِ آية لولا أنَّ هذه الآيةَ كانت فُلكَ سيدِنا نوح الذي كلما نظرَ إليهِ الناسُ استذكروا ما كان من أمرِ سيدِنا نوح ومَن نجا معه، وما كان من أمرِ قومِهِ الذين أهلكهم اللهُ بذنوبِهم.
