يضطرُّنا الإصرارُ على “القراءةِ النحوية” للقرآنِ العظيم إلى الوقوعِ أحياناً في جملةٍ من “المفارقات” التي سوف تنأى بنا بعيداً عن الإحاطةِ بالمعنى الذي ينطوي عليه نصُّهُ الإلهيُّ المقدس. فما يقضي به ما بين أيدينا من قواعد وأحكامٍ نحوية ليس له بالضرورة أن يوجِبَ علينا قراءةَ آياتِ القرآنِ العظيم وفقاً لما تقضي به هذه القواعدُ والأحكام.
وفي هذا المنشور سوف أتطرَّق إلى مثالين سيتبيَّنُ لمتدبِّرِهما مقدارَ الجَور الذي جُرنا به على قرآنِ اللهِ العظيم بهذا الإصرارِ من جانبِنا على أن نقرأَّه كما نقرأُ غيرَهُ من الكتب! فكلمة “مَلَك” تجمع بصيغة “أملاك” و”ملائكة”، وتُجمَع كلمة “رسول” بصيغة “رُسُل”. وهذا هو ما تقضي به وتحكمُ أحكامُنا وقواعدُنا اللغوية. إلا أنَّ القرآن العظيم يأبى إلا أن يكونَ لسانُه العربي المبين هو الأعلى حتى وإن كان ذلك يتعارضُ مع ما تقضي به أحكامُنا اللغويةُ هذه. فيكفينا أن نتدبَّر الآيتين الكريمتين (9- 10 الحاقة) (وَجَاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكَاتُ بِالْخَاطِئَةِ. فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رَابِيَةً). فكلمة “رسول” في الآية الكريمة 10 الحاقة قد جاءت بمعنى “رسُل”. كما ويكفينا أن نتدبر الآية الكريمة 17 الحاقة (وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ). فكلمة “المَلَك” في هذه الآية الكريمة قد جاءت بمعنى “الملائكة”.
يتبيَّنُ لنا إذاً أن علينا أن نكونَ حذِرين الحذرَ كلَّه فلا نقرأَ القرآنَ العظيم قراءةً، إن هي اتفقت مع ما تقضي به أحكامُنا النحوية، فإنها قد لا تتَّفق بالضرورة مع مقتضياتِ السياقِ القرآني فتنتهي بنا قراءتُنا هذه إلى الوقوعِ في خطأٍ جسيمٍ نتوهَّمُ معه أنَّنا قد أحطنا بمعنى هذه الآيةِ الكريمة أو تلك ونحن في الحقيقةِ أبعدُ ما نكونُ عن ذلك.
