يظنُّ العلمُ أنَّ بمقدوره أن يُعلِّلَ لوقائعَ وظواهرَ وأحداثِ الوجود دون الحاجةِ إلى افتراضِ ما يقولُ به الدينُ من أنَّ اللهَ هو العلةُ من وراءِ ما يحدثُ في هذا الوجود! ولقد أوقعَ العلمَ في هذا الخطأ الجسيم ما حبا اللهُ بهِ قوانينَ الوجودِ وأسبابَه من “مرونةٍ” جعلتها لا تستعصي على مَن يرومُ أن يستعينَ بها وحدَها للتعليلِ لما يجري في الوجودِ من أحداث. وهكذا فلقد استُدرِجَ العلمُ فوقع في فخِّ الظنِّ الواهم بألا حاجةَ هناك إلى القول بأن الله تعالى هو علةُ ما يجري في الوجودِ من أحداث طالما كان بالإمكانِ الاكتفاءُ بهذه القوانين والأسباب للتعليلِ لكل ما يحدثُ فيه.
وبناء على ما تقدم، فإنَّ من غير المنطقي أن نظن أنَّ العلمَ سيضطرُّ يوماً إلى الإقرارِ بجهالتِه التي جعلته يستبعدُ وجوبَ القولِ بأنَّ اللهَ موجود، وذلك طالما كان بإمكانه أن يُعلِّلَ لكلِّ ما يحدثُ في الوجودِ بالرجوعِ إلى ما قُدِّرَ له أن يضعَ يده عليه من قوانينِ الوجودِ وأسبابِه.
ولكن هل يعني هذا أن ليس هناك ما بمقدورِه أن يُضطرَّ العلمَ إلى الإقرارِ بجهالتِه هذه؟ يُعينُ على الإجابةِ على هذا السؤال أن نستذكرَ أنَّ العلمَ لم يُقدَّر له، حتى هذه اللحظة، أن يتعاملَ معرفياً إلا مع قوانينِ الوجودِ وأسبابِه؛ هذه القوانينُ والأسباب التي علينا ألا ننسى أبداً أنها ليست كلَّ ما بإمكانِ قدرةِ اللهِ أن تتجلى به. فقدرةُ اللهِ لها أن تتجلى وقائعَ وظواهرَ وأحداثاً لا تكفي قوانينُ الوجودِ وأسبابُه كلُّها جميعاً للتعليل لها. ولقد جاءنا القرآنُ العظيم بأمثلةٍ على هذه “التجليات” التي تُظهِرُ تسلُّطاً للهِ تعالى على قوانينِ الوجودِ وأسبابِه لا يملكُ العلمُ حيالَه إلا بأن يُقِرَّ بجهالتِه التي جعلته يوماً يُسارِعُ إلى الجزمِ بألا حاجةَ هناك على الإطلاقِ إلى القولِ بأنَّ اللهَ موجود وبأن اللهَ وحدَه هو مَن ينبغي علينا أن نلتجئَ إليه حتى يكونَ بمقدورِنا أن نُعلِّل لما يحدثُ في هذه التجليات من خرقٍ لكلِّ ما يؤمنُ به العلم!
