ابتُليَ الإنسانُ بعقلٍ أدمَنَ تعظيمَ ذاتِهِ. فعقلُ الإنسانِ لا يُريدُ أن يُصدِّقَ أنَّ في هذا الوجودِ ما يفوقه عظمةً (لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) (57 غافر)، (أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ) (من 27 النازعات)، (أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمْ مَنْ خَلَقْنَا) (من 11 الصافات).
وعقلُ الإنسانِ عازفٌ عن الإقرارِ أيضاً بهذا الذي هو عليه من نزوعٍ إلى النظرِ إلى الوجودِ بعينٍ لا تراهُ إلا محلاً لتجليات تفرُّدِهِ وتمايُزِهِ عن باقي مفرداتِ هذا الوجود. فإذا كانت هناك احتماليةٌ لوجودِ حياةٍ عاقلةٍ في مكانٍ آخر غيرَ هذه الأرض، فلابد من أن تكونَ هذه الحياةُ العاقلة لا تختلفُ في شيء على الإطلاق عن الحياة العاقلةِ على أرضنا هذه! وهكذا جزمَ الإنسانُ بجهالة، وقطعَ من دونِ أيِّ برهان، بأنَّ بشراً أمثالَنا هم مَن لابد وأن يكونوا سكانَ تلك الكواكبِ الأخرى!
ولقد جاء دينُ اللهِ تعالى ليُعينَ الإنسانَ على أن ينظرَ إلى ذاتِهِ وإلى الوجودِ بعينٍ لا ترى فيهما ما تريدُه نفسُه أن يراه. فالوجودُ يشتملُ على كائناتٍ تفوقُ الإنسانَ قدرةً، وذلك لأنها أشدُّ منه خَلقاً. ومن هذه الكائنات الملائكةُ والجن الذين خلقهم اللهُ وبثَّهم في أرجاء السموات وربوعِها وأصقاعِها. فالملائكةُ يتحادثون فيما بينهم كما يتحادثُ الجنُّ فيما بينهم. ونخطئُ إذ نظنُّ أنَّ أرضَنا هذه هي البقعةُ الوحيدةُ في هذا الوجود التي تضجُّ وتعجُّ وتمتلئ وتزخرُ بشتى أنواع “الأصوات العاقلة”! فالسماءُ تضجُّ وتعجُّ وتمتلئ وتزخرُ بشتى أنواع الأصوات العاقلة هي الأخرى، ولكنَّ الفارقَ يكمنُ في أنَّ “القولَ” الذي يعمُّ الأرضَ هو غير “القولِ” الذي يعمُّ السماء؛ فقولُ أهلِ الأرضِ بشري وقولُ أهلِ السماء ملائكي وجِني. وهذا ما بإمكاننا أن نتبيَّنه بتدبُّرِنا الآيةِ الكريمة (رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ) (من 4 الأنبياء).

ونعم بالله
إعجابإعجاب