انتهيتُ في القسمِ الأول من هذا المنشور إلى أنَّ كلمة “جسد” في الآية الكريمة 8 من سورة الأنبياء (وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لَا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ) تُشيرُ إلى بعضٍ مما يتمايزُ به الجنُّ “المتجسِّدون بشراً” عن بني آدم. فالجنُّ المُتجسِّدون بشراً لا يأكلون الطعام كما يفعل البشر بمن فيهم أنبياؤهم المُرسلون. وامتناعُ الجنِّ “المتجسِّدين بشراً” عن أكلِ الطعام يُذكِّرُ بامتناعِ الملائكةِ “المُتمثِّلين بشراً” عن أكل الطعام أيضاً.
وفي هذا السياق يجدرُ بنا أن نستذكرَ ما جاءتنا به سورةُ هود في آيتَيها الكريمتين 69 -70 (وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ. فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ). فرُسُلُ اللهِ الذين تُشيرُ إليهم هاتان الآيتان الكريمتان كانوا وفداً من الملائكةِ يترأسُّهم سيدُنا جبريل عليه السلام. ولقد “تمثَّلَ” سيدُنا جبريل، ومن معه من الملائكةِ، بشراً حسبهم سيدُنا إبراهيم بشراً من بني آدم. فلما رأى أيديهم لا تمس عجلَه الحنيذ خافهم لأنه خالَهم بشراً يُريدون به سوءاً.
