بثَّ اللهُ تعالى في الوجودِ قوانينَ وأسباباً أجازها وأذِن لها بأن تتسبَّب في حدوثِ ما يحدثُ فيه من وقائعَ وظواهرَ وأحداث. ويُخطِئ كلُّ مَن يظن أنَّ لهذه القوانينِ والأسبابِ ما يجعلُها قادرةً على أن تفعلَ ما تفعل بـ “ذاتِها”! وهذا هو ظنُّ مَن انبهرَ بالعلمِ الذي بين أيدِينا فعزا إلى المخلوقِ ما لا ينبغي أن يُعزا إلا إلى الخالق! صحيحٌ أنَّ السوادَ الأعظم من وقائع وظواهر وأحداث هذا الوجود تبدو للناظرِ إليها أولَ وهلة أنها نِتاجُ قوانينَ وأسبابٍ بمستطاعِ العلمِ الذي بين أيدينا أن يقعَ عليها ويُحيطَ بها، إلا أنَّ هناك من وقائعِ الوجودِ وظواهرِه وأحداثِه ما لا قدرةَ للعلم على أن يتبيَّنَ العلةَ من وراءِ حدوثِها! وإذا كان ما قُدِّرَ للعلمِ أن يقعَ عليه ويُحيطَ به من قوانين وأسبابِ الوجود قد جعلَ طائفةً غيرَ قليلةٍ من الناسِ تُشاركه الظنَّ بأنَّ هذهِ القوانينَ والأسباب تفعلُ ما تفعل بـ “ذاتها”، فإنَّ في تلك الوقائع والظواهر والأحداث، التي أعجزت العلمَ عن أن يُعلِّلَ لها بما بين يديه من قوانينِ الوجودِ وأسبابِه، ما يكفي دليلاً وبرهاناً على أنَّ العلمَ غيرُ مُؤهَّلٍ على الإطلاقِ ليقطعَ ويجزمَ بأن هذه القوانين والأسباب “تكفينا” فلا حاجةَ لنا معها إلى إله!
ولقد ذكرَ القرآنُ العظيم طائفةً من الوقائعِ والظواهرِ والأحداث التي لن يستطيعَ العلمُ أبداً أن يُعلِّلَ لها بهذا الذي تسنَّى له أن يضعَ يدَه عليه من قوانينِ الوجودِ وأسبابِه. لنتدبَّر الآيات الكريمة التالية: (إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا) (41 فاطر)، (وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ) (من 65 الحج)، (اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (42 الزُّمَر).
