يظنُّ كثيرٌ منا أن “الكيفيةَ المُثلى” للإيمانِ باللهِ تقتضي منا وجوبَ أن نؤمنَ بأنَّ الوجودَ مُسيَّرٌ بما سبقَ للهِ وأن بثَّه فيه من قوانينَ وأسباب، وأن لا أحدَ بمقدورِهِ أن يحولَ دونَ تمكُّنِ هذه القوانينِ والأسباب من أن تفعلَ ما أجازَها اللهُ بأن تفعلَه من تسييرٍ لوقائعِ هذا الوجود وظواهرِه وأحداثِه. وهذا ظنٌّ لا يستقيمُ مع ما ينبغي أن يكونَ عليه الإيمانُ باللهِ “حقَّ الإيمان” من إقرارٍ بأنَّ للهِ “السلطةَ المطلقةَ” على هذا الوجودِ و”الكلمةَ العليا”. صحيحٌ أنَّ هذا الوجودَ مفتقِرٌ إلى قوانينِ اللهِ وأسبابِه، عاجزٌ من دونِ الله عن أن يُمِدَّ وقائعَه وظواهرَه وأحداثَه بما يكفلُ لها أن تحدثَ، إلا أن ذلك لا تلزَمُ عنه ضرورةُ أن يستعصيَ هذا الوجودُ على اللهِ إذا ما جاءَ أمرُهُ بما يتعارضُ مع هذه القوانينِ والأسباب.
إنَّ “التصوُّرَ الأمثلَ” لعلاقةِ اللهِ تعالى بالوجود تُلزِمُنا بوجوبِ أن ننظُرَ إلى هذه العلاقةِ فنراها بوجهَيها اللذَين إن نحنُ أغفلنا أي واحدٍ منهما كنا من الذين ما قدَروا اللهَ حقَّ قدرِه. فلا هذا الوجودُ بقادرٍ على أن يحيا دونَ مدَدٍ من اللهِ تعالى، تتكفَّلُ به قوانينُ اللهِ وأسبابُه، ولا هو بقادرٍ على أن يستعصيَ على أمرِ اللهِ إذا جاء فلا يُمكِّنُهُ من إنفاذِ مشيئةِ الله.
فحتى نكونَ من أولئك الذين قدروا اللهَ حقَّ قدرِه، فإن علينا ألا ننسى، ونحن في غمرةِ “تفكُّرِنا” في ملكوتِ السمواتِ والأرض وما بثَّه اللهُ فيهما من قوانينَ وأسباب لولاها ما جرت واقعةٌ ولا تجلَّت ظاهرةٌ ولا حدثت حادثةٌ فيه على الإطلاق، أنَّ للهِ تعالى أن يتدخَّلَ “تدخُّلاً مباشراً” في مُجرياتِ وقائعِ هذا الوجودِ وظواهرِه وأحداثِه، وبما يؤكِّدُ أنَّ للهِ أن يفعلَ ما يشاء وإن تعارضَ ذلك مع ما تقضي به هذه القوانينُ والأسباب.
