للقرآنِ العظيم منطقُهُ اللغوي الذي يتمايزُ به عن منطقِنا اللغوي. ولذلك فإنَّ أيَّ إصرارٍ من جانبِنا على فرضِ منطقِنا اللُّغوي هذا على المنطق اللغوي للقرآن العظيم، سيُفضي بنا لا محالة إلى مزيدٍ من النأي والابتعادِ عن المعنى الذي ينطوي عليه نصُّه الإلهي المقدس.
ولقد نجمَ عن إخفاقِنا في تبيُّنِ هذا التمايُزِ اللغوي الذي اختُصَّ به القرآنُ العظيم ما جعلنا نفترضُ أن ليس هناك من فرق على الإطلاق بين ما يقضي به منطقُنا اللغوي، وما “ينبغي” أن يكونَ عليه المنطقُ اللغوي للقرآن العظيم! فإذا كنا نُقدِّمُ” أو “نأخِّرُ” كلمةً ما، فإن لهذا التقديمِ أو التأخير منطقاً يُملي علينا وجوبَ أن نفترضَ أنَّ في الأمرِ ما يقتضي ذلك. ولذلك فإذا تبيَّن لنا أن في القرآنِ تقديماً أو تأخيراً فإنَّ “منطِقَنا” هذا يوجِبُ علينا أن نفترضَ أنَّ هناك ضرورةً ما تقتضي ذلك!
ويفنِّدُ افتراضَنا هذا، ويدحضه، أن القرآنَ العظيم يشتملُ على مواطنَ كثيرة فيها تقديمٌ أو تأخير على الرغمِ من انتفاءِ وجودِ ما يقتضي ذلك! وسأكتفي في هذا المنشورِ بإيرادِ مثالٍ واحدٍ على ذلك، وذلك كما يتبين لنا بتدبُّرِ ما جاءتنا به سورتا البقرة والأعراف في الآيتين الكريمتين التاليتين: (وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ) (من 58 البقرة)، و(وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا) (من 161 الأعراف).
