ما كان اللهُ ليجعلَ هذا الوجودَ تنفردُ به القوانينُ والأسبابُ التي بثَّها في ربوعِهِ وأصقاعِهِ لتجريَ وقائعُهُ وتحدثَ أحداثُهُ وتتجلى ظواهرُه بإذنِه دون أن تكونَ له تعالى “الكلمةُ العليا” في هذا الذي سيزولُ ويتلاشى وفي ذاك الذي قدَّر له أن يبقى من هذه الوقائع والأحداث والظواهر (وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا) (من 40 التوبة). وينضوي تحت لواءِ هذا الذي قدَّرَ له اللهُ تعالى أن يثبُتَ فيبقى أعمالُ بني آدم سيِّؤها وصالحُها. فكم من حسنةٍ ظنَّ صاحبُها أنَّها مما سوف يجعله يومَ القيامةِ ممَّن ثقُلت موازينُه، محاها اللهُ عقوبةً له على سيئةٍ أتبَعها تلك الحسَنة، وكم من سيئةٍ ظنَّ صاحبُها أنها مما سوف يجعله يوم القيامة ممن خفَّت موازينُه، محاها اللهُ جزاءً له على حسنةٍ أتبعها تلك السيئة! فإذا كانت الحسناتُ يُذهِبن السيئات (إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ) (114 يونس)، فإن السيئاتِ يأكلنَ الحسنات كما تأكلُ النارُ الحطب: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: “إنَّ السيئاتِ يأكلنَ الحسناتِ كما تأكلُ النارُ الحطب”.
فسبحانَ الذي تسلَّطَ على الوجودِ تسلُّطَه على الأقدارِ والكتُبِ كلِّها جميعاً، وسبحانَ الذي عنده أمُّ الكتاب.
