يظنُّ كثيرٌ منا أنَّ قدرةَ اللهِ تعالى تُحدِّدُها تلك الأسبابُ والقوانينُ التي خلقَها وفرضَها على الوجودِ حتى يتسنى لوقائعِه وظواهرِه وأحداثِه أن تحدثَ بإذنه. ولقد دحضَ اللهُ هذا الظنَّ وفنَّدَه في قرآنِه العظيم، وذلك في قوله تعالى (مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) (74 الحج). فكيف لهذه الأسبابِ والقوانين أن تُحدِّدَ قدرةَ اللهِ تعالى وهو الذي خلقها؟!
إنَّ اللهَ تعالى مُتسلِّطٌ على الوجودِ بقدرتِهِ المطلقة التي ليس بمقدورِ مخلوقٍ أن يحولَ دون تجلِّي تسلُّطِه هذا. ولقد جاءتنا سورةُ الرعد بما يُذكِّرُ بهذا التسلُّطِ الإلهي على أسبابِ الوجودِ وقوانينِه، وذلك في الآية الكريمة 13 منها (وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ). فلأنَّ اللهَ “شديدُ المِحال”، فسوفَ تُخفِقُ إذاً كلَّ محاولةٍ من جانبِ عقلِ الإنسان في تحديدِ قدرتِه تعالى. فيكفينا أن نستذكرَ ما جاءنا به القرآنُ العظيم من تجلياتِ تسلُّطِ اللهِ تعالى على أسبابِ الوجودِ وقوانينِه؛ تلك التجليات التي فصَّلتها آياتُه الكريمة التي جاءتنا ببعضٍ من أنباءِ ما أذِنَ اللهُ لأنبيائِه المُرسَلين بأن يأتوا بها أقوامَهم.
وأنى لنا أن ننسى، في هذا السياق، ما أنبأنا به القرآنُ العظيم من “شديدِ مِحال” اللهِ الذي تجلى تسلُّطُه على أسبابِ الوجودِ وقوانينِه بما حاقَ بساحةِ مَن طغى في الأرضِ واستكبر.
