أقسمَ اللهُ في سورةِ الواقعة بمواقع النجوم إن قرآنَه الكريم في كتابٍ مكنون، وإن هذا القرآن لا يمسُّه إلا المُطهَّرون، وإنه تنزيلٌ من رب العالمين (فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ. وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ. إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيم. فِي كِتَابٍ مَكْنُون. لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ. تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (75- 80 الواقعة). وإذا كان “الكتابُ المكنون” هذا هو “أُمُّ الكتاب” الذي جاءتنا سورتا الرعد والزخرف بنبأٍ عنه، وذلك كما ذكرتُ في منشورٍ سابق، فما الذي يعنيه أن يكون القرآنُ الكريم لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ”؟
يُعينُ على الإجابةِ على هذا السؤال تدبُّرُ ما جاءتنا به الآياتُ الكريمة التالية: (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) (22 القمر)، (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) (24 محمد)، (َفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا) (82 النساء). إذاً فإنَّ القرآنَ الكريم قد يسَّرَهُ اللهُ لكلِّ متدبِّرٍ لآياتِهِ مُدَّكِر. فالذي قُدِّرَ له أن يهتديَ بهَدي هذا القرآن هو مَن كان من “المُطهَّرين” الذين تطهَّرت قلوبُهم من دنَسِ التذلُّلِ للنفس، ومن رجس الامتثالِ لما يأمرُ به هواها. فلم يأذن اللهُ لقرآنِه الكريم بأن يكونَ كتابَ هدايةٍ لكلِّ مَن هبَّ ودب! وهذا “الاختصاصُ” بالاهتداءِ بهَدي القرآنِ الكريم هو ما بوسعِنا أن نتبيَّنه بتدبُّرِنا الآيات الكريمة التالية: (قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِين) (97 البقرة)، (قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ) (102 النحل)، (طس تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ. هُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ) (1- 2 النمل).
فإذا كان القرآنُ الكريم كتاباً لا يهتدي بهَديِهِ إلا مَن كان من المسلمين المؤمنين، فإنه لمن المفروغِ منه ألا يمسَّه إلا المُطَهَّرون الذين كفلت لهم طهارةُ قلوبِهم من الرجس والدنَس، والرَّين والغفلة، أن يكون بمقدورِهم أن يهتدوا بهَدي آياتِه وبنورِ كلماتِه.
