اختتمَ اللهُ تعالى سورةَ يوسف بالآيةِ الكريمة (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُون) (111 يوسف). ولقد وصفت هذه الآيةُ الكريمة القرآنَ العظيم بالعديدِ من الأوصافِ الجليلة، ومنها وصفُها له بأنه “تَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ”. فكيف يكونُ هذا القرآنُ “تَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ”؟
يُعينُ على الإجابةِ على هذا السؤال أن نستذكرَ ما جاءتنا به الآية الكريمة 89 من سورة النحل (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِين). فالقرآنُ العظيم تبيانٌ لكلِّ شيءٍ يحتاجُ إليه العبدُ ليصلَ إلى ربِّه وليسعَدَ بذلك في الدارين. فاللهُ تعالى “بيَّنَ” في قرآنِه العظيم صراطَه المستقيم “تبياناً” اشتملَ على كلِّ ما يجعلُ من هذا الصراطِ مُيسَّراً لمن شاءَ أن يسيرَ عليهِ مُنضبِطاً بمُحدِّداتِه وضوابِطِه، مراعياً بذلك حدودَ اللهِ التي فصلَ اللهُ تعالى بها بينَ الحلالِ والحرام فصلاً أصبحَ بمقتضاهُ هذا الحلالُ بيِّناً كما الحرامُ.
فالمُهتدي لصراطِ اللهِ المستقيم وشرعِهِ القويم، لن يتشابَهَ عليه أمرٌ من أمورِ دُنياه أو أُخراه من بعدِ هذا “التفصيلِ الإلهي” الذي تكفَّلَ بأن يجعلَ الدينَ مُبيَّناً أتمَّ تبيين، ومُفصَّلاً أبلغَ تفصيل، فلا يضِلُّ مَن ألزمَ نفسَهُ بهذا البيانِ وبهذا التفصيل بعد ذلك أبداً.
