يُصِرُّ أنصارُ نظريةِ التطور على التفاخُر بما تأتَّى لهذه النظرية أن تنتهيَ إليه بشأنِ حقيقةِ الإنسانِ التطورية! فالإنسانُ، كما يظنُّ هؤلاء، قد أضحى كياناً لا غموضَ يُداخلُ ماضيه التطوُّري على الإطلاق! فما تسنى للعلم أن يضعَ يدَه عليه من مفرداتِ السجل الأحفوري لماضي الإنسان التطوري يكفي لأن نجزمَ ونقطعَ بأنَّ لنظريةِ التطور أن تقولَ القولَ الفصلَ السديد بشأنِ ماضي الإنسان التطوري هذا. وبذلك فإن أنصارَ نظريةِ التطور هؤلاء يريدون منا أن نشاركَهم هذا الوهم فنقطعَ بدورِنا ونجزمَ بأن ليس هناك من داعٍ بعد هذا لأن نُعمِلَ عقولَنا فيما بين أيدينا من أدلةٍ وبراهينَ على أنَّ هذا السجلَّ الأحفوري لا يملكُ ما يجعلُ له الفيصلَ المظنونَ المزعومَ هذا!
صحيحٌ ألا “حلقةَ مفقودةً” هناك، ولا حلقات، تعتورُ حُسنَ انتظامِ هذا السجل، إلا أنَّ هذا لا يكفي دليلاً حاسماً، ولا يقدِّمُ برهاناً قاطعاً، على أنَّ الإنسانَ قد تطوَّرَ بالتمامِ والكلية وفقاً لما تقضي به افتراضاتُ نظريةِ التطور! فهذا السجلُّ الأحفوري المكتملُ الحلقات ليس بقادرٍ على الإطلاق على أن يُجيبَ على ما بوسعِ “العقلِ المتدبِّرِ” أن يتبيَّنَه في كيانِ الإنسانِ من عظيمِ تناشزاتٍ وشديدِ تبايُنات وكبيرِ اختلافات بينه وبين الكيان الحيواني الذي يشهدُ هذا السجلُّ الأحفوري بصدقِ ما حدثَ له من تطورٍ انتهى بالإنسانِ كما نعرفه. فالسؤالُ يبقى: “كيف لنا أن نُعلِّلَ لهذا التناقضِ المُبين ما بين سجلٍّ أحفوري، لا شائبةَ تشوبُ شهادتَه بأنَّ الإنسانَ قد تطوَّر عن الحيوان، وبين هذا الذي هو عليه الإنسانُ من تناشزٍ وتبايُنٍ واختلافٍ مع أصلِه الحيواني المزعوم هذا؟!”.
إذاً فلابد من أن يكونَ هنالك ما قد حدثَ في ماضي الإنسانِ التطوري فجعل من الإنسانِ متناشزاً كلَّ هذا التناشُزِ مع الحيوان، وذلك على الرغمِ من شهادةِ السجلِّ الأحفوري التطوري بأن الإنسانَ قد تطوَّر عن الحيوان! وهكذا يتبيَّنُ لنا أنَّ نظريةَ التطور، بهذا التشديدِ من جانبها على ألا شهادةَ هناك تعلو شهادةَ السجل الأحفوري هذا، لا تكفي وحدها للتعليلِ لظهورِ الإنسانِ؛ هذا الظهور الذي يتبيَّنُ لكلِّ مَن يتدبَّرُ ما جعلَ الإنسانَ يتمايزُ به عن سلفِه الحيوان أنَّ “شيئاً آخر” لابد من أن نفترضَ حدوثَه في ماضي الإنسان التطوري كان هو السببَ من وراءِ ظهورِ الإنسان! وهذا ما سوف أتطرَّقُ إليه في المنشور اللاحق إن شاء الله.

Great
إعجابإعجاب