ما كنا لنعلمَ، لولا ما جاءتنا به سورةُ الرحمن، أن لكونِنا هذا حدوداً لا قدرةَ لمخلوقٍ على أن يتجاوزها إلا بسلطان (يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ) (33 الرحمن). فكونُنا هذا محكومٌ بأسبابٍ وقوانينَ خلقَها اللهُ تعالى وسلَّطها عليه حتى لا تفسدَ السمواتُ والأرضُ ومن فيهن (وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ) (من 71 المؤمنون).
ولذلك فإنَّ نفاذَ أي مخلوقٍ من حدودِ كونِنا هذا أمرٌ مشروطٌ بقدرته على أن يؤيِّدَه اللهُ بـ “سلطان” يكفلُ له أن يتسلَّطَ بإذن الله على تلك الأسبابِ والقوانين التي خلقَها اللهُ تعالى لتقومَ لهذا الكونِ بها قائمة. ولأنَّ هكذا تأييداً إلهياً بـ “سلطانِ” كهذا أمرٌ ليس باليسيرِ الحصولُ عليه، فإنَّ كونَنا هذا سيبقى عصِياً على أيِّ محاولةٍ للنفاذِ من حدودهِ طالما استعصى على الراغبِ بذلك أن يُؤيَّدَ من اللهِ تعالى بهذا السلطان، وطالما لم يكن ممن اختصَّهم اللهُ بإجازةٍ منه وإذنٍ تكفلان له أن يحظى بهذا السلطان.
