جاءنا القرآنُ العظيم بأخبارِ الأولين وما كانوا عليه من غيٍّ مبين. ولا أدلَّ على هذا الغي مما جاءتنا به الآياتُ القرآنيةُ الكريمة من أنباءِ أقوامِ الأنبياء وما كانوا يعترضون به عليهم. وأولُ هذه الاعتراضات أنَّ ما جاء به الأنبياءُ أقوامَهم لَيتعارضُ مع ما كانوا عليه من اتِّباعٍ واقتفاءٍ لآثارِ الآباءِ والأجدادِ والأسلاف. فيكفينا أن نستذكرَ ما جاءتنا به سورةُ الزخرف بهذا الشأن: (وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ) (23 الزخرف).
وهذا الذي كان عليه الآباءُ والأجدادُ والأسلاف بالإمكانِ إيجازُه بأنه ذاك الذي هو عليه الإنسانُ في كلِّ زمانٍ ومكان من إشراكٍ باللهِ تعالى وإيثارٍ للعاجلِ على الآجِل وانغماسٍ في مَتاعِ الحياةِ الدنيا. ولذلك ناصبَ الإنسانُ أنبياءَهُ العداءَ طالما كانوا يدعونه إلى الإيمانِ بالله الواحدِ الأحد وبالآخرة القادمة لا محالة.
إلا أن القرآنَ العظيم يُخبرُنا بأن ليس كلُّ الآباءِ سواء؛ فمن الآباءِ من امتدحتهم آياتُه الكريمة. ولنا فيما قاله سيدُنا يوسف عليه السلام عن آبائه الكرام خيرُ مثال: (وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ) (38 يوسف).
