يصرُّ الذين يقرأون القرآنَ العظيم دون تدبُّرٍ لآياتِه الكريمة على أنَّ فيه تناقضاً يلزمُ عنه وجوبُ أن يكونَ بَشريَ الصنعة! ولو أنَّ هؤلاء القائلين ببشريةِ صَنعةِ القرآنِ العظيم ترَوَّوا قليلاً وتمهَّلوا لأدركوا أنَّ ما ظنوا أنه بشري إنما هو في حقيقةِ الأمر الدليلُ والبرهان على أنهم ما قرأوا القرآنَ العظيمَ بتدبُّر!
لنأخذ مثالاً على هذا الإخفاق في تدبر القرآن العظيم من جانب القائلين ببشرية صنعتِه؛ فهؤلاء يقولون إن هناك تناقضاً بين الآيتين الكريمتين: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) (من 16 التغابن)، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ) (من 102 آل عمران). فلو أن هؤلاء تدبَّروا هاتين الآيتين الكريمتين لتبيَّن لهم أنَّ اللهَ تعالى إذ أمرنا بأن نتقِّيَه حقَّ تقاتِه، فإنه ما أمرنا إلا بما هو بمستطاعِنا! فتقوى اللهِ حقَّ تُقاتِه هي مما مكَّننا اللهُ من القيامِ به فجعلَه بوسعِنا وليس بمستعصٍ علينا! فأين التناقضُ إذاً ونحن مأمورون بأن نتقيَ اللهَ حقَّ تُقاته، وهي تقوى خُلِقنا قادرين على القيام بها؟!
