يجادلُ البعضُ، ممن انبهر بالعلمِ انبهاراً جعله يُعيدُ صياغةَ تديُّنِهِ وفق ما يقضي به هذا العلمُ، فيقولُ بأن عصرَنا هذا هو ليس عصرَ المعجزات وذلك لانتفاءِ الحاجةِ إليها! فواحدُنا بمقدورِه أن يؤمنَ دون أن تضطرَّه إلى الإيمان هذه المعجزةُ أو تلك. فما حاجتُنا إذاً إلى المعجزات إذا كان للإيمانِ أن تقومَ له قائمةٌ من دونها؟!
يتبيَّنُ لمتدبِّرِ وجهةِ النظرِ هذه أنَّ القائلين بها إنما ينطلقونَ من مقاربةٍ أخفقت في تبيُّنِ هذا الذي هو عليهِ دينُ اللهِ تعالى من قيامٍ على أساسٍ من الدعوةِ إلى الله! فالدينُ الإلهي لم يتنزَّل حتى يتديَّنَ به الفردُ تديُّناً لا يلزمُ عنه ما يتعدى إلزامَ الفردِ نفسه بالتقيُّدِ بضوابطِ هذا الدينِ ومُقيِّداتِهِ. فدينُ اللهِ تعالى إنما جاء حتى يُبلَّغَ وحتى لا يكونَ مقتصراً على مَن بلغَهُ فحسب!
والآن، إذا كان عصرُنا هذا هو عصرُ “تألُّهِ العلم” و”تأليهِه”، وإذا كان العلمُ في هذا العصر قد أضحى معبودَ الجماهير، فإن الدعوةَ إلى الله في هذا العصر هي بأمس الحاجة إلى المعجزات وذلك لما تنطوي عليه هذه المعجزاتُ من قدرةٍ فذة على إضطرارِ العلمِ إلى الإقرار بعجزه عن أن يجيءَ بمثلها أو أن يكون بمقدوره أن يعلِّل لها بالاستنادِ إلى منظومته المعرفية.
