انتهيتُ في منشورٍ سابق إلى أنَّ وصفَ القرآنِ العظيم لسيدِنا محمد بـ “النبي الأمي” جاء تأكيداً لحقيقةِ كونِهِ صلى الله تعالى عليه وسلم الاستجابةَ الإلهية لدعوةِ سيدِنا إبراهيم التي وثَّقتها الآيةُ الكريمة 129 البقرة (رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ). ولقد ذكرتُ في ذلك المنشور أنَّ أهلَ الكتاب كانوا يسمُّون العرب بـ “الأميين”.
فأهلُ الكتابِ كانوا يُسمُّون العرب بـ “الأميين” وذلك في إشارةٍ منهم إلى حقيقةِ كونِهم أبناءَ السيدة هاجر والتي كانت أَمَة السيدة سارة زوج سيدنا إبراهيم عليه السلام. فـ “الأُميُّون” إذاً هم “الأَميون” أبناء “الأَمَة”، و”الأُمي” هو “الأَمي” إبنُ الأَمَة. وفي هذا ما فيه من إشارةٍ إلى ما كان القومُ يستشعرونه من تمايزٍ بين أبناء “السيدة” وأبناءِ “الأَمَة”.
إلا أن الأُمِيين أبناءَ الأَمَة قد نزلَ في حقِّهم من آيِ القرآنِ العظيم ما يُفيدُ بأنهم خيرُ أمةٍ أُخرجَت للناسِ إن هم أمروا بالمعروفِ ونهوا عن المنكر وآمنوا بالله (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ) (من 110 آل عمران). فسبحان مَن كفلَ لأبناءِ “الأَمَة” أن يكونوا خير “أُمَّة” أُخرجت للناس وذلك شريطةَ أن يكون حالُهم مع اللهِ تعالى الحالَ الذي فصَّلته لنا وبيَّنته هذه الآية الكريمة.
