فنَّدتُ في منشورٍ سابق الرأيَ القائل بأن الجنَّ هم مَن كان يُفسِدُ في الأرضِ ويسفكُ الدماء، وذلك قبل أن يستخلفَ اللهُ تعالى سيدَنا آدم عليه السلام في الأرض. فإذا كان الجنُّ طرائقَ قِدداً، فمنهم المسلمون الصالحون ومنهم القاسطون المارقون، فكيف يجوزُ لنا بالتالي أن نُعمِّمَ فنقولَ فيهم هذه المقالة التي ترميهم كلَّهم جميعاً فتدينَهم بالإفسادِ في الأرضِ وسفكِ الدماء؟!
والآن، إن لم يكن الجنُّ هُم مَن كان يُفسدُ في الأرضِ ويسفكُ الدماء فمَن هم إذاً هؤلاء؟ يُعينُ على التوصُّلِ إلى الإجابة على هذا السؤال أن نستذكرَ ما حدثَ لنا بعد أن أكلَ أبوانا من شجرةِ الجنةِ التي نهاهما اللهُ تعالى عنها. فلقد نجمَ عن تلكَ الأكلة ما جعلَ من بني آدمَ يُعادي بعضُهم البعض، وفي هذا ما فيه من نَكسةٍ ورِدةٍ إلى ما كنا عليه يومَ كان أسلافُنا يعتدي بعضُهم على بعض عدواناً ظالماً أشارت إليه الملائكةُ الكرام بأنه “إفسادٌ في الأرض وسفكٌ للدماء”.
إذاً فالقومُ الذين كانوا يُفسدون في الأرضِ ويسفكون الدماء هم أجدادُنا الذين تعيَّن على الملائكةِ الكرام أن يُجهِزوا عليهم ولا يُبقوا منهم إلا على واحدٍ بعينِهِ هو “الخليفةُ” الذي أمرهم اللهُ تعالى بأن يُستثنى فلا يُهلك مع مَن سيُهلك من القومِ المفسدين.
إذاً فالعودة إلى “العدوان الظالم” من بعد أكلِ أبوَينا من الشجرة هو الدليل والبرهان على أنَّ مَن كان يُفسدُ في الأرضِ ويسفكُ الدماء قبل أن يستخلفَ اللهُ تعالى سيدَنا آدم في الأرض هم مخلوقاتٌ بايولوجيةٌ لا تختلفُ كثيراً عن الإنسان كما نعرفه!
