كيف علَّلَ دينُ اللهِ لضَعفِ الإنسان؟

تطرَّقتُ في منشورٍ سابق إلى ما يعتورُ نظرةَ العلمِ إلى الإنسان من “خلَلٍ تصميمي” عجزَ معه عن التعليلِ لهذا الذي هو عليه الإنسانُ من “ضعفٍ بُنيوي”. فالإنسانُ هو الكائنُ البايولوجي الوحيد الذي تتناوشُ بُنيَتَهُ عواملٌ تجنحُ بهِ بعيداً عن الاتِّصافِ بالقوةِ البايولوجية التي يتحلى بها كلُّ كائنٍ بايولوجيٍ آخر غيرُه.
وعلةُ إخفاقِ العلمِ في التعليلِ لضعفِ الإنسانِ هذا تعودُ إلى إصرارِه على أن ليس هناكَ من ماضٍ للإنسان غير ماضيه الحيواني الذي إن نحن شاركنا العلمَ ظنَّهُ الواهمَ هذا استعصى علينا بالتالي أن نفقَهَ العلةَ من وراءِ كونِهِ يمتازُ عن باقي حيوانِ الأرضِ بهذا الضعف.
أما دينُ اللهِ تعالى، فإنَّ له مع الإنسانِ حكايةً أخرى تُعينُ على التعليلِ لهذا الضعفِ البايولوجي للإنسان. فالإنسانُ، من وجهةِ نظرِ دينِ اللهِ تعالى، وإن كان ذا ماضٍ حيواني لا يختلفُ كثيراً عن ذاك الذي يقولُ به العلم، فإنه نتاجُ “مُداخلاتٍ” أخرى تسلَّطت على ماضيه الحيواني هذا فكان لها أن تُسيِّرَه بعيداً كلَّ البُعدِ عن الطبيعةِ وعالمِها المنضبطِ بقوانينَ لا قدرةَ لحيوانٍ على أن يخالفَ عنها.
فدينُ اللهِ تعالى يكشفُ لنا النقابَ عن تدخُّلٍ إلهيٍ مباشر “سُوِّيَ” الإنسانُ بمقتضاهُ خلقاً آخرَ غيرَ ذاك الذي كان عليه قبله. كما أنَّ دينَ اللهِ تعالى يُميطُ لنا اللثامَ عما حدثَ للإنسانِ من بعدِ أكلِهِ من شجرةٍ بعينِها تسبَّبَ أكلُه منها في جعلِهِ يفارقُ ما كان عليه قبل أكلِهِ منها ليُصبِحَ كائناً يتمايزُ عن غيرِهِ من الكائناتِ البايولوجية بهذا “الضعف البُنيوي” الذي كان من بينِ أولى تجليَّاتِهِ أن أصبحَ بنو الإنسانِ يعادي بعضُهُم بعضاً عداءً مُخالِفاً لنمطِ “العدوان الطبيعي” السائدِ في عالمِ الطبيعة.

أضف تعليق