لسيدِنا موسى عليه السلام معجزةٌ قلَّما تُذكَر. فسيدُنا موسى نشأ في قصرِ فرعون ولسانُه تعتورُهُ علةٌ تجعلُهُ غيرَ قادرٍ على أن يتكلمَ فيُفقِهَ السامعينَ فيتبيَّنوا مقصودَه. ولذلك استهزأ فرعونُ بسيدِنا موسى مُذكِّراً القومَ بما كان من شأنِهِ آنف الذكر (أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ) (52 الزخرف).
فسيدُنا موسى عليه السلام كان إذا ما تملَّكَه الغضبُ عُقِدَ لسانُهُ فلا يكادُ السامعُ يتبيَّنُ مما يقولُ شيئاً. ولذلك دعا سيدُنا موسى اللهَ تعالى أن يَفُكَّ عقدةَ لسانِهِ حتى يتمكنَ من أن يُبلِّغَ ما أرسله اللهُ تعالى به البلاغَ المبين الذي هو آيةُ كلِّ نبيٍّ مُرسَلٍ برسالةِ الله (وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ) (من 54 النور). فكانَ أن دعا سيدُنا موسى اللهَ تعالى الدعاءَ الذي جاءتنا بخبرِهِ سورةُ طه في آيتَيها 27 -28 (وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي. يَفْقَهُوا قَوْلِي). ولقد أجابَ اللهُ تعالى سيدَنا موسى عليه السلام دعوتَهُ هذه وآتاهُ سُؤلَهُ (قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى) (36 طه). وهكذا أصبحَ بمقدورِ سيدِنا موسى أن يتحدَّثَ فيَفقَهَ السامعونَ ما يقولُ من قولٍ مُبين.
يتبيَّنُ لنا بتدبُّرِ هذه المعجزةِ ما كان عليه فرعونُ وحاشيتُه من تعجرُفٍ واستكبارٍ حالا دون أن يُقِروا ويُسلِّموا لسيدنا موسى بأنه مُرسَلٌ من عندِ اللهِ تعالى حقاً، وذلك من بعدِ أن تبيَّنَ لهم ما أصبح عليه من قدرةٍ على أن يتحدث بطلاقةٍ، وهم الذين خبروا ما كان من أمرِهِ عندما نشأ بين ظهرانيهم عاجزاً عن أن يتكلم فيفقه السامعون ما يقول! ولكنها النفسُ البشريةُ التي تضطرُّ العقلَ إلى المخالفةِ عن أحكامِهِ العقلية وقواعدِهِ المنطقية حتى لا يُضطرَّ معها إلى المخالفةِ عن أمرِها!
