ما كنا لنعلمَ أنَّ اللهَ، الذي استوى على العرشِ من بعدِ أن خلقَ السمواتِ والأرضَ، قريبٌ منا هذا القُربَ كلَّه لولا ما جاءنا به قرآنُه العظيم من آياتٍ بيِّناتٍ فصَّلت بأبلغِها لغةً قربَهُ هذا: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) (16 ق)، (فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ. وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ. وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ) (83 -85 الواقعة)، (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ) (من 186 البقرة).
فاللهُ تعالى وإن كان بعيداً عنا البُعدَ الذي يقتضيهِ استواؤُهُ على العرشِ الذي تفصلُهُ عنا سبعُ سمواتٍ، إلا أنه في الوقت ذاته قريبٌ منا القربَ الذي ليس لشيءٍ أن يكونَ أقربَ إلينا منه. وليس في هذا تناقضٌ كما قد يبدو للعيان! فللهِ نمطان من الوجود: فهو تعالى موجودٌ في عالم العرش، ومتواجدٌ في عالم الكرسي في ذات الوقت!
فسبحانَ مَن نأى عن مخلوقاتِهِ نأياً اقتضاهُ وجوبُ أن يكونَ لها وجود، وسبحانَ مَن كان قريباً من مخلوقاتِهِ قُرباً لولاه ما كان لها وجود!
