جاءتنا سورةُ محمد بما من شأنِهِ أن يُعينَنا على تبيُّنِ العلةِ من وراءِ إخفاقِنا في تدبُّرِ القرآنِ العظيم (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) (24 محمد). فالقلوبُ عليها إذاً أقفالٌ تُعيقُ قراءةَ القرآنِ العظيمِ بتدبُّرٍ لا سبيلَ إليه إلا بكسرِها. ويتصدَّرُ “المنطق” قائمةَ هذه الأقفال. فالمنطقُ يفرضُ على النَّصِ القرآني المقدس ضوابطَه وقيودَه فيحولُ ذلك دون أن يتجلى المعنى الذي يشتملُ عليه هذا النَّصُّ. فضوابطُ المنطقِ وقيودُه لا قدرةَ لهما على أن تُقيِّدا نَصَّ القرآنِ العظيم طالما كان هذا النَّصُّ متعالياً على أيةِ ضوابطَ وقيودٍ بتعاليه الإلهي الذي أحكمَهُ اللهُ تعالى، وذلك بأن جعلَ لآياتِ هذا القرآن منطقَها الخاص بها والذي ليس له بالضرورة أن يتماهى ويتطابق مع منطقِنا البشري وإن خُيِّلَ إلينا أنَّه المنطقُ الذي بمقتضاهُ ينضبطُ هذا الوجودُ بكلِّ ما فيه!
