ما كان للوجودِ أن يوجَدَ، ولا أن يبقى فلا يزولَ ويتلاشى، لولا أن اللهَ كان قد تعهَّده بالإيجادِ والإبقاءِ إلى حين فسلَّطَ عليهِ من الأسباب ما هو كفيلٌ بتحقيقِ مرادِه تعالى خَلقاً لهذا الوجودِ وإدامةً له ولكلِّ موجود حتى يأذنَ اللهُ بزوالِ الكلِّ بمجيءِ اليومِ الآخر. فهذه الأسبابُ هي التي مكَّنَ اللهُ تعالى العلمَ الذي بين أيدينا من أن يُحيطَ ببعضِها، فظنَّ العلمُ أنها قوانينُهُ ووقرَ لديهِ أنها كلُّ ما هنالك من قوانين تأتَّى للكونِ أن ينبثقَ إلى الوجودِ بمددٍ منها!
وقوانينُ الوجودِ هذه، إذ هي أسبابٌ سبَّبها اللهُ مسَبِّب الأسباب، ليس لها من أمر هذا الوجودِ شيء؛ فهي لا تتحكَّمُ فيه إلا بالقدرِ الذي مكَّنها اللهُ منه، فالأمرُ كلُّه لله من قبلُ ومن بعد. فالأسبابُ أسبابُ الله والقوانينُ قوانينُ الله. ولا أدلَّ على هذا الخضوع الذي تخضعُ بمقتضاهُ قوانينُ الوجودِ للهِ مسبِّبِ الأسبابِ من خضوعِ هذه الأسباب لأسبابٍ أخرى، للهِ أن يُسلِّطَها على “أسبابِ الوجودِ وقوانينِه” هذه فيتسنى بذلك للمعجزاتِ والكراماتِ وغيرِها من خوارقِ العاداتِ أن تحدثَ بهذا التسلُّطِ من أسبابِ اللهِ وقوانينِه على أسبابِ الوجودِ وقوانينِه، التي هي في حقيقتِها أسبابٌ إلهيةٌ هي الأخرى.
إذاً فالوجودُ قائمٌ بأسبابِ الله، وظواهرُهُ ما كان لها أن تحدثَ لولا هذه الأسباب. والمعجزاتُ تحدثُ بتسلُّطِ أسبابِها الإلهية على ما هو قائمٌ من أسبابٍ للهِ تعالى سبقَ وأن سلَّطها على الوجودِ ليستقيمَ بها أمرُه، وهو إن شاءَ سلَّطَ عليها من أسبابِهِ ما هو كفيلٌ بأن يجعلَ دينَهُ الإلهي يستقيمُ كما استقامَ الوجود.
