جنةُ آدمَ هي جنةُ المأوى

يُصرُّ التفسيرُ التقليديُّ للدين على إعمالِ العقلِ في غيرِ محلِّه فينتهي به الأمرُ إلى قراءةٍ للنص القرآني المقدَّس تفتقرُ إلى التدبُّرِ الذي وحده هو ما يُمكِّنُ القارئَ من تبيُنِ ما ينطوي عليه هذا النصُّ من أسرارٍ وخفايا وخبايا ما كانت لتفوتَه لولا هذا الإصرارِ منه على التغاضي عما يُمليهِ ويوجِبُهُ هذا التدبُّر من تفسيرٍ للقرآنِ بالقرآن وإعراضٍ عن الإنصاتِ لما يقضي به العقلُ من تغليبٍ للأفكارِ المسبَقة والأحكامِ الجاهزة!

فلماذا كلُّ هذا التعنُّتِ فيما يخصُّ الجنةَ التي أُسكِنَها آدمُ وزوجُه؟ ولماذا يستصعبُ البعضُ تقبُّلَ فكرةِ أن تكونَ هذه الجنةُ هي جنة المأوى؟! إن تدبُّرَ القرآنِ العظيم يقتضي منا وجوبَ أن نستحضرَ كلَّ آيةٍ تشتركُ مع الآيةِ التي نقومُ بتدبُّرها في المعنى قريبَه وبعيدَه. وإذا ما نحنُ استعنَّا بهذا “الضابط التفسيري” لنفصلَ في أمرِ مكانِ جنةِ آدم، فإن لنا أن نستذكرَ ما جاءَ بشأنها في القرآنِ العظيم في سياقٍ آخر. لنتدبَّر الآية الكريمة التالية: (قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ) (12 الأعراف). فالخطابُ في هذه الآية الكريمة موجَّهٌ إلى الشيطان الذي أخرجَه تكبُّرُه من الجنةِ التي لم يكن له أن يتكبَّر فيها وهي جنةُ المأوى التي لا مُقامَ فيها لمن كان في قلبِه مثقالُ حبةِ خردلٍ من كبر.

وبذلك يتبيَّن لنا بتدبُّرِ هذه الآية الكريمة، وتذكُّرِ ما حدثَ من بعدِ أكلِ آدمَ وزوجِه من شجرة الجنة التي نُهيا عنها، أن هذه الجنة لم تكن إلا جنةَ المأوى التي سبق وأن أُخرجَ منها إبليس. فجنةُ المأوى هي أقربُ جِنان الكون إلى عرش الله تعالى، وهي مأوى الملائكةِ المقرَّبين فلا يُعقَلُ والحالُ هذه أن يمكثَ فيها مَن لم يكن أهلاً لها. وبذلك يتبيَّن لنا أن الجنةَ التي أُخرج منها إبليس وأُخرج منها آدمُ وزوجه لا يُمكن أن تكونَ إلا جنةَ المأوى، وبالتالي فإنها لا يمكن على الإطلاق أن تكونَ على هذه الأرض كما يزعم أصحابُ التفسير التقليدي للدين.

أضف تعليق