يظنُّ الإنسانُ أن بمقدورِ عقلِهِ أن يُحدِّدَ له “الوصفةَ التعبُّدية” التي يكفلُ له تقيُّدُه بها أن يُحقِّقَ ما يريدهُ اللهُ تعالى منه! وبذلك فإن الإنسانَ يظنُّ أن هذا القدْر من التعبُّد أو ذاك هو كلُّ ما يحتاج إليه حتى ينالَ رضا الله تعالى عنه! وآيةُ بطلانِ هذا الظن أنَّ المريضَ لا يُتوقَّعُ منه أن يكونَ قادراً على أن يُحدِّدَ لنفسِهِ بنفسِهِ الدواءَ الذي هو بحاجةٍ إليه حتى يشفى! فالطبيبُ الحذِقُ هو وحده مَن بمقدورِهِ أن يصفَ الوصفةَ الطبيةَ التي إن التزمَ بها مريضُهُ كان له أن يشفى بإذنِ اللهِ تعالى.
وهذا هو عينُ ما ينبغي أن يستيقنَ منه كلُّ عابدٍ للهِ تعالى؛ فالقدرُ الكافي من العبادة ليس بمقدورِ عقلِ الإنسانِ أن يُحدِّدَه. فاللهُ تعالى كفى الإنسانَ مغبةَ ومشقَّةَ الخوض فيما لا علمَ له به ولا طاقةَ له عليه فكان أن حدَّد له المنهاجَ التعبُّدي الذي إن التزمَ به أفلح دنيا وآخرة. فعقلُ الإنسانِ لا ينبغي أن يُستعملَ فيما لم يُخلَق له، وكلُّ تقصيرٍ في استعمالِ هذا العقل فيما خُلِق له يعود على الإنسانِ بما من شأنِهِ أن يُنغِّص معيشتَه هموماً وأحزاناً وأكداراً وبُعداً عن الله تعالى.
فلنلزم إذاً منهاجَ اللهِ تعالى ولنحرص جاهدين على ألا نحيدَ عنه ما استطعنا، فإن فلاحَنا في الدنيا والآخرة مشروطٌ بالتزامنا بهذا المنهاج.